بقلم : لؤي خليل
سنوات الحرب على السيادة والدولة السورية لم تحد عزيمة السوريين قيد أنملة عن خط الوطنية والقومية والعروبة، وهو الخط المتأصل في تاريخ هذا الشعب بمختلف أطيافه وتنوّعاته السياسية، بالرغم من محاولتهم طمس هذه الهوية لسلب الفكر والشخصية السورية.
هذه المقدّمة التي قد يصفها الكثيرون بالعاطفية أو التي تجاوزها الخطاب والتفكير السياسي، إلا أنّ العقل الحكيم الذي خطط لمؤتمر سوتشي ودعا هذه الأطياف من مختلف الألوان والاتجاهات السياسية الوطنية وممثلي كافة الشرائح والأحزاب على اختلافاتها يعلم أنّ مقدّمتنا هذه في النهاية هي التي تجمع الروح السورية.
في نهاية المطاف هي الإرادة السورية والعقل السليم هو من سيضع السفينة السياسية في مقدّمة الحلول، فجميع الالتفافات للتنظيمات الإرهابية ومموّليها لن يكون لها أيّ رأي سياسي.
فالإحراج الذي وضعت فيه نفسها ما تسمّى معارضة الخارج لن يمرّ مرور الصفحات العادية في أخبار الأيام العالمية، بل سيضع سفن التشتّت والضياع الأميركي في مهبّ رياحهم الغادرة التي لم تترك أية وسيلة للإضرار بمشروع المؤتمر مرة بعدم المشاركة والرفض الكامل ومرة بالالتفاف والمشاركة الملتوية لإفشاله.
فضجيج المحاور الخارجية على اختلافاتها لم يستطع خطف المشهد السياسي وفرض شروطه بنفس الطريقة التي اعتادت واشنطن مع عملائها على فرضه عبر افتعال جماعات مسلحة ومسمّيات معارك في مناطق مختلفة قد تكون مؤثرة في خارطة الميدان والسياسة.
هذه اللوحة الجميلة التي أرادت موسكو خطها بتفاصيل شعبية سورية تثبت أنّ هناك شعباً سورياً لا يحيد عن السيادة ولم تمزق الحرب أفكاره، فمعارك الميدان لم تنس الشعب عراقة السياسة السورية وإنْ حاول الكثيرون على شاشاتهم طمس معالم هذه السيادة، فالإحراج الروسي للميدان الأميركي بالكثير من الانتصارات والسحق الميداني لمعارك افتعلوها في مناطق خفض التوتر أعطى حدوداً واسعة للسياسة الروسية واندفاعة غير قابلة للتراجع في ميدان الانتصارات، وما سعت موسكو لرسمه وجمعه في سوتشي هو الروح السياسية بعيداً عن لغة التحصيل الأميركية، فالمشهد على سفينة الحلّ في سوتشي كان محميّ الأشرعة ضدّ أعتى الرياح التي حاولت تركيا عبر عملائها وضعها في وجه الماكينة السياسية السورية.
فالقافلة تسير إلى حدود يصعب على الغوغاء التشويش عليها أو حتى اللحاق بها، والرسالة كانت واضحة من موسكو أنّ الدولة السورية صاحبة السيادة على كامل أراضيها ولا يمكن لأيّ تجمّعات الرجوع إلى الوراء خاصة بعد الانتصارات الميدانية والسحق المتسارع لفلول الإرهاب الداعشي وتجمّعات النصرة المرتزقة، فلم يعد ينفع بعد اليوم الضغط الخليجي الذي تدفع به واشنطن عبر استحضار الحرب الكيميائية ضدّ ترتيب مفاوضات السلام السورية جميعها تراتيب فاشلة لن تأتي ثمارها وستذهب أدراج رياحها الضعيفة بل وسترتدّ بدون أية نتائج.
فمعايير الحلّ السوري أوجدته سوتشي بدون أية شروط مسبقة وهذا سقف الحلّ الذي سيحدّد جميع مسارات السياسة.
فالثالوث المختلف الذي تحاول واشنطن إيقاع الحليف الروسي ضمنه بين الوهابية السعودية والتركي الإخواني والتضارب مع العامل الكردي شمالاً ما هو إلا سيناريو مراحل تفاوضية لكسب الوقت وتمرير السنين لإطالة عمر الأزمة السورية وإبقاء دول المنطقة في حالة عدم استقرار بما يخدم العدو الصهيوني.
وبات واضحاً لحلف المقاومة بأنّ السيناريو الأميركي مفتوح للعب بالنار أكثر وترك باب الصراعات مفتوحة بانتظار حدث يعيد المنطقة إلى حرب جديدة قد تكون خارجية أو شبيهة بما سمّي الخرف العربي ، إلا أنّ سوتشي برياحه الباردة جاء ليطفئ النيران الأميركية ويحرج أدوات واشنطن بأنّ الحسم العسكري على الأرض بات يترافق مع حسم جديد من نوع أقوى وهو حسم الهوية الوطنية السورية، بالسيادة الكاملة على كامل الأراضي السورية.