24- باريس
منذ سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي أجبر على مُغادرة البلاد إلى المنفى في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تُحاول قوتان إقليميتان توسيع نفوذهما على سوريا التي يرأسها الآن أحمد الشرع. وهو صراع كان من المُمكن للدولة السورية الجديدة أن تستغني عنه، بحسب مُراقبين ومحللين سياسيين فرنسيين.
كلّ على طريقته، إسرائيل، من خلال القصف وزيادة توغلات قواتها في القُرى جنوب الأراضي السورية، وصولاً إلى قصف مُحيط القصر الرئاسي في دمشق بحجة الدفاع عن الطائفة الدرزية. أما تركيا فتتواجد بالفعل عسكرياً في شمال البلاد، وتأمل في توقيع اتفاقية دفاعية وإنشاء المزيد من القواعد العسكرية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.
قصف إسرائيلي لا يتوقف
وفي مواجهة خطر التصعيد، بدأ مسؤولون عسكريون وأمنيون من تركيا وإسرائيل مناقشات في التاسع من أبريل (نيسان) الماضي في أذربيجان، لكنّ الاجتماع لم يُسفر عن أيّ اتفاق ملموس. وبحسب بيان لوزارة الدفاع التركية، فإنّ الهدف هو إيجاد طريقة “لمنع وقوع حوادث غير مرغوب فيها في سوريا”. أما مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فأعلن أنّ “هذا الحوار يجب أن يستمر”.
سوريا تستنكر القصف الإسرائيلي للقصر الرئاسي – موقع 24
أدانت الرئاسة السورية بأشد العبارات القصف الذي تعرض له القصر الرئاسي، أمس الخميس، على يد الجيش الإسرائيلي، ما يشكل تصعيداً خطيراً ضد سيادة الدولة وسلامتها.
شنّت إسرائيل حملة قصف واسعة النطاق على سوريا فور رحيل الأسد، دمّرت خلال ثلاثة أيّام وعبر أكثر من 350 غارة قواعد عسكرية وسفن حربية وطائرات مقاتلة وترسانات ومصانع أسلحة. وبحسب هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، فقد تمّ تدمير ما بين 70 إلى 80% من القُدرات العسكرية السورية، رغم ادّعاء البعض أنّ الترسانة السورية قديمة ولا تُشكّل في حدّ ذاتها أيّ تهديد.
وزعمت إسرائيل أنّ الهدف من ذلك هو منع وقوع الأسلحة في أيدي العدو (الفصائل السورية المسلحة). ولكنّ القصف لم يتوقف، فقد أحصى مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرّف في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، المحلل تشارلز ليستر، نحو 750 حالة قصف لغاية اليوم.
وتتقدّم القوات الإسرائيلية أيضاً في سوريا إلى المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان المحتلة، والتي تمتد لنحو 80 كيلومتراً من الشمال إلى الجنوب منذ اتفاق تمّ توقيعه في عام 1974. وقد أنشأت إسرائيل هناك ما لا يقل عن 7 قواعد، وفقاً لصحيفة هآرتس. وذهب الإسرائيليون إلى أبعد من ذلك، حيث نفذوا غارات على القرى السورية الواقعة خارج المنطقة العازلة.
استراتيجية جديدة، ولا ردّ من الشرع
ويأتي هذا، بحسب الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي لوك ماثيو، استمراراً للاستراتيجية المُتّبعة منذ الهجمات التي نفّذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبما يهدف إلى عزل الأراضي الإسرائيلية أمنياً عن جيرانها. وهذا هو الحال بالفعل في جنوب لبنان، حيث تمّ بناء البؤر الاستيطانية، وفي قطاع غزة، حيث يمتد المحيط الأمني الآن إلى عُمق 1.5 كيلومتر داخل الجيب.
والسبب الآخر برأيه، هو أنّ الحكومة الإسرائيلية لا زالت تشك في الرئيس السوري أحمد الشرع، بوصفه العضو السابق في تنظيم القاعدة، وباعتبار أنّ المُقاتلين الأجانب ما زالوا يحيطون به، كما وتزعم بأنّ ما يُخفيه ويخطط له هو عكس ما يُصرّح به علناً بانتظار تمكين قُدراته العسكرية.
بالمُقابل، يُكرّر الشرع أنّه لا يُشكّل أيّ تهديد للدول المجاورة، بما فيها إسرائيل. وفي 25 أبريل (نيسان) الماضي، وجرى تأكيد ذلك خلال اجتماع في دمشق مع عضو الكونغرس الأمريكي الجمهوري كوري ميلز.
وقال الرئيس السوري الجديد، إنه مُستعد للقيام بتطبيع علاقة بلاده مع إسرائيل في ظلّ شروط معينة، دون أن يُفصح عنها علناً. كما اعتقل اثنين من مسؤولي حركة “الجهاد” الفلسطينية أثناء تواجدهما في سوريا.
ولم يأمر أحمد الشرع حتى الآن بالردّ على الغارات والتوغلات الإسرائيلية، مُكتفياً بإدانتها من قبل الأمم المتحدة. وطلب وزير خارجيته أسعد الشيباني، مؤخراً خلال زيارته الأولى لمقر الأمم المتحدة، من مجلس الأمن الضغط على إسرائيل لسحب قواتها من سوريا.
الهوس بالأكراد
من جهتهم، يعرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأجهزته الأمنية أحمد الشرع جيداً، إذ كانوا قد ساعدوه في الحفاظ على السيطرة على محافظة إدلب في شمال غرب البلاد، حيث استقر مع حركته هيئة “تحرير الشام” خلال سنوات الحرب السورية، ولا سيّما من خلال دعمه سياسياً واقتصادياً والسماح له بفرض الضرائب على السلع التي تمر عبر الحدود التركية.
ويسمح السقوط المُفاجئ لبشار الأسد، الذي لم يتوقعه الأتراك خلال الهجوم الخاطف الذي شنّته هيئة تحرير الشام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بمحاولة زيادة نفوذ تركيا في سوريا. وهم يظلّون مهووسين بشكل خاص بأكراد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية شمال شرق سوريا، وهي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المُصنّف إرهابياً في تركيا، والذي يُقاتل جيشها مُنذ عقود طويلة.
وكان الجيش التركي مُتواجداً بالفعل في شمال البلاد من خلال عدّة عمليات عسكرية طردت المُسلّحين الأكراد من مناطق كثيرة شمال سوريا بدءاً من عام 2016 عبر عمليات “درع الفرات”، و”غصن الزيتون”، و”نبع السلام”، و”درع الربيع”، لكنّ أنقرة تأمل في توقيع اتفاقية عسكرية أمنية مع دمشق، لتضمن تمركز قواعد لها في عدة مناطق جديدة، كمطار منغ في شمال سوريا، وكذلك في تدمر وسط البلاد، وفي محافظة حماة فيما يُسمّى قاعدة T4، والتي تمّ قصفها من قبل إسرائيل في شهر مارس (آذار) الماضي، مباشرة بعد أن زار القاعدة جنود أتراك لتقييم حالتها والتحسينات اللازمة قبل الانتقال إليها.