إعادة تقييم لفترة قيادته مانشستر يونايتد
كان هدف التعادل القاتل الذي أحرزه مانشستر يونايتد في مرمى توتنهام في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، يعني تمديد سلسلة المباريات من دون خسارة إلى 5 مباريات متتالية. والآن، يحتل مانشستر يونايتد المركز السابع في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، بفارق نقطتين عن تشيلسي صاحب المركز الثالث.
وبعد موسمين مخيبين للآمال، يسود التفاؤل في ملعب «أولد ترافورد» بأن مانشستر يونايتد يسير في الاتجاه الصحيح.
ومع ذلك، فقد احتل الفريق المركز الثاني تحت قيادة المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير قبل 4 سنوات فقط، مسجلاً 73 هدفاً، وهو -حسب سيمون ستون على موقع «بي بي سي»- أعلى عدد أهداف يسجله الفريق في موسم واحد، منذ تقاعد المدير الفني الأسطوري لـ«الشياطين الحمر» السير أليكس فيرغسون في عام 2013.
وبعد 4 مباريات من موسم 2021- 2022، تصدر الفريق جدول الترتيب، بثلاثة انتصارات وتعادل واحد من أول 4 مباريات. فهل حان الوقت لإعادة تقييم فترة سولسكاير كمدير فني لمانشستر يونايتد؟
«يستحق قدراً أكبر من التقدير»
هناك رواية قاسية حول سولسكاير، تقول إنه بعد الفترات التي قضاها مع نادي مولده النرويجي الذي قاده للفوز بلقب الدوري، وكارديف سيتي الذي هبط معه للدوري الأدنى، كان المدير الفني البالغ من العمر 52 عاماً محظوظاً بتعيينه مدرباً مؤقتاً لمانشستر يونايتد، بعد إقالة جوزيه مورينيو في ديسمبر (كانون الأول) 2018. ثم يُقال إنه ما كان ينبغي أبداً منحه المنصب بشكل دائم، ناهيك من تمديد عقده، وإن عيوبه قد ظهرت في النهاية بفقدانه وظيفته بعد الخسارة الكارثية أمام واتفورد بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد، والتي كانت امتداداً لسلسلة من النتائج السيئة، بما في ذلك الخسارة على ملعبه أمام الغريم التقليدي ليفربول بخمسة أهداف دون رد.
ولكن هل هذا التقييم مجرد انتقاء للسلبيات؟ بالحديث إلى بعض الأشخاص الذين شاركوا في تعيين سولسكاير -وإقالته- هناك وجهة نظر أكثر إيجابية.
فقد قال مصدر تابَعَ سولسكاير من كثب طوال فترة ولايته التي استمرت نحو 3 سنوات: «إنه يستحق بالتأكيد قدراً أكبر من التقدير».
وفي أعقاب إقالة مورينيو، طلب نائب الرئيس التنفيذي، إد وودوارد، من سولسكاير العودة إلى النادي الذي خدمه ببراعة لاعباً، للقيام بمهمة بسيطة، وهي إعادة البسمة إلى «أولد ترافورد». وقد نجح سولسكاير بالفعل في القيام بذلك على الفور.
فعندما عاد سولسكاير إلى ملعب «كارينغتون» للتدريب الذي يعرفه جيداً، والذي يتمتع بشعبية طاغية فيه، توجه مباشرة إلى موظفة الاستقبال المحبوبة كاث فيبس، وعانقها وقبلها وقدم لها بعضاً من الشوكولاتة المفضلة لديها. وظهر فجأة في حفل عيد الكريسماس الذي أقامه الموظفون.
ويقول من كانوا هناك إن الاستقبال الذي حظي به سولسكاير كان أشبه باستقبال المشاهير. وكان التأثير أعمق من ذلك بكثير؛ خصوصاً أن سولسكاير يمتلك شخصية متفائلة وإيجابية بطبيعتها.
وقال زميل سابق له: «إنه متفائل إلى أقصى حد، ويرى الخير في كل شيء. كانت هناك بعض الأشياء الصغيرة التي تعكس شخصيته الرائعة، مثل قيامه بإلقاء تحية الصباح على الجميع، وسؤالهم عن أحوالهم.
قبل مجيئه كان كل شيء محبطاً ومملاً للغاية في النادي، ولم يكن الناس على طبيعتهم، ولكنه أعاد الابتسامة إليهم».
لم ينجح سولسكاير في إعادة النادي إلى ما كان عليه في عهد فيرغسون، ولكنه شعر بأن بعض الأمور التي كانت متبعة في نظام المدير الفني الأسكوتلندي يُمكن أن تُناسب العصر الحديث. فكان سولسكاير يهتم بأدق التفاصيل وأفضل المعايير، فقام بتغيير قواعد اللباس في الرحلات الخارجية، وأعاد ارتداء اللاعبين للسترات الرسمية وربطات العنق، كما تم توسيع نطاق الوصول إلى مقصف النادي.
وأصبحت الأجواء العامة أكثر تفاؤلاً وإيجابية، مدعومة بسلسلة رائعة من 8 انتصارات متتالية في بداية عهده، والتي امتدت إلى 14 انتصاراً وتعادلين وهزيمة واحدة في أول 17 مباراة للفريق تحت قيادته. وبعد ذلك، ثأر لهذه الهزيمة عندما ذهب إلى باريس سان جيرمان وفاز عليه بهدفين مقابل هدف وحيد، بفضل ركلة الجزاء التي سجلها ماركوس راشفورد في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع.

كانت هذه النتيجة تُعتبر من أهم إنجازات النادي الأوروبية؛ حيث وصل إلى الدور ربع النهائي لدوري أبطال أوروبا، وهو أمر لم يحققه الفريق سوى مرتين منذ خسارته في المباراة النهائية أمام برشلونة على ملعب «ويمبلي» عام 2011.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح سولسكاير مديراً فنياً دائماً، بتوقيعه عقداً يمتد ثلاث سنوات. يقول منتقدوه إن هذا كان خطأ كبيراً، ولكن المشاركين في المفاوضات لا يزالون يقولون عكس ذلك. وقال مصدر مطلع لـ«بي بي سي»: «لقد تحدث الناس عن فلسفته، ولكن كيران ماكينا هو الذي كان يقود التدريبات، بينما كان سولسكاير يراقب الوضع عن كثب. وبهذا المعنى، كان سولسكاير يعمل بطريقة مشابهة لكارلو أنشيلوتي. لقد كان بارعاً في إدارة اللاعبين، وكانت ثقافة الفريق مذهلة، وكان شخصاً موثوقاً به. كان اللاعبون يحبون اللعب تحت قيادته، وكان أسلوب لعبه هو ما يريده الجميع». وقد ظهرت نتائج ذلك على أرض الملعب. فبعد احتلال المركز السادس في ذلك الموسم الأول، أنهى مانشستر يونايتد الموسمين الكاملين تحت قيادة سولسكاير في المركزين الثالث والثاني، وهما أعلى مركزين متتاليين في الدوري منذ تقاعد فيرغسون. ووصل الفريق إلى الدور نصف النهائي 5 مرات من أصل 6 في مسابقات الكأس. ولكن الأهم من ذلك، أنه لم يفز بأي منها، وكان أقرب ما وصل إليه هو الخسارة بركلات الترجيح أمام فياريال في نهائي الدوري الأوروبي عام 2021، عندما أهدر حارس المرمى ديفيد دي خيا ركلة الترجيح الحاسمة.
وكانت المشكلة الأساسية تتمثل في عدم حصول الفريق على أي بطولة. وقال المصدر المطلع: «كان ذلك بمثابة عبء ثقيل على كاهله، وخصوصاً في عامه الثاني، عندما ظل الناس يتساءلون: هل سيفوز بشيء ما؟» وعلى الرغم من ذلك، كان هناك شعور بالثقة في سولسكاير وفريقه داخل النادي.
وفي يوليو (تموز) 2021، مدد سولسكاير عقده حتى عام 2024. وصرَّح وودوارد بأن الأسس جاهزة الآن لتحقيق «نجاح طويل الأمد».
وعاد كريستيانو رونالدو إلى النادي ضمن صفقات ضخمة ضمت جادون سانشو ورافائيل فاران، ثم سجَّل النجم البرتغالي هدفين في ظهوره الأول بعد عودته في مرمى نيوكاسل، ليقود مانشستر يونايتد إلى صدارة جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز، وكانت هناك أجواء إيجابية للغاية، ولكنها لم تستمر طويلاً.
وأفادت كثير من المصادر بأن غرفة تبديل الملابس في مانشستر يونايتد كانت سعيدة بعودة رونالدو. وشعر سولسكاير بأن المهاجم البرتغالي سيضع المعايير المطلوبة وسيُظهر لزملائه ما هو مطلوب للوصول إلى القمة.
كان فيرغسون ووودوارد والمشجعون يريدون عودة رونالدو.

وقال مصدر من داخل غرفة تبديل الملابس: «المشكلة كانت في طريقة إعداد سولسكاير وكيران للفريق؛ حيث لم يكن بالإمكان تحمل عدد كبير من اللاعبين الذين لا يعودون للخلف للقيام بواجباتهم الدفاعية. كان الفريق بحاجة إلى قوة بدنية كبيرة وممارسة الضغط على المنافسين داخل الملعب».
وأضاف: «كان يجب تغيير طريقة اللعب، وهو أمر جيد لاستيعاب لاعب كبير، ولكن سولسكاير لم ينجح في ذلك. كان رونالدو فعالاً، ولكن وصوله تسبب في خلل في الطريقة التي كان يلعب بها الفريق منذ عامين ونصف».
انهار هذا النظام بعد تعرض مانشستر يونايتد لست هزائم في 11 مباراة على مدار شهرين، بما في ذلك الهزيمة المذلة على أرضه أمام ليفربول. وكانت الخسارة أمام واتفورد –حين استقبلت شباك مانشستر يونايتد هدفين في الوقت بدل الضائع- تعني النهاية.
هناك من يعتقد أن سولسكاير تعرض للظلم. وقال المصدر من غرفة تبديل الملابس: «كان الفريق يعاني من فوضى عارمة في تلك المباراة. وأوحت هذه النتيجة بأن كل شيء يسير على نحو خاطئ. لم يكن الأمر كذلك، ولكن كان هذا هو الوقت الذي يحتاج فيه المدير الفني إلى الدعم.

وبدأ الضجيج المعتاد حول عدم سيطرة المدير الفني على غرفة تبديل الملابس، وهو ما لم يكن صحيحاً بالمرة. ربما كان لاعب أو اثنان يشعران بالاستياء، ولكن هذا طبيعي، وعادة ما يحدث من اللاعبين الذين لا يشاركون في التشكيلة الأساسية».
كان سولسكاير يعلم في قرارة نفسه أن وقته قد انتهى، وبالفعل انتهت ولايته باجتماع قصير ومؤثر مع وودوارد في صباح اليوم التالي. يقول شخص مطلع على عملية صنع القرار داخل النادي: «ربما كان سولسكاير سينجح في حل المشكلة في نهاية المطاف، ولكنه لم يفعل ذلك في تلك الأشهر القليلة الأولى، وكان النادي يتجه نحو وضع سيئ».
وتحت قيادة المدير الفني المؤقت مايكل كاريك، ثم تحت قيادة رالف رانغنيك، وبالمجموعة نفسها من اللاعبين، فاز مانشستر يونايتد بعشر مباريات وخسر مباراتين فقط من أصل 18 مباراة. فهل كان سولسكاير سيحقق هذه النتائج نفسها لو استمر في منصبه؟ لا أحد يعلم، ولكن عندما ننظر الآن إلى الماضي سنجد أن فترة قيادته لم تكن سيئة للغاية!

