تُعد شركة تسويق النفط العراقية “سومو” الذراع الرسمية الأهم في إدارة وتسويق الثروة النفطية العراقية، إذ تتولى تسويق النفط الخام والمشتقات الفائضة في الأسواق العالمية، في وقت يُعد فيه النفط المصدر الأساسي للإيرادات العامة في العراق، ويُشكّل العمود الفقري لتمويل الموازنة العامة ومشاريع التنمية.
من بدايات بسيطة إلى مؤسسة وطنية
انطلقت تجربة تسويق النفط العراقي من خطوات متواضعة، تمثلت في تصدير شحنة صغيرة من نفط الريع الذي كانت الحكومة العراقية تستحقه من الشركات الأجنبية ضمن حصتها الإنتاجية ولعدم القدرة على بيع هذه الشحنة بالسعر الرسمي آنذاك، تم عقد صفقة مقايضة مع شركة يونانية مقابل أدوية، في خطوة عكست الحاجة لبناء قدرات وطنية في هذا القطاع.
ومع تزايد الوعي بأهمية السيطرة الوطنية على تسويق النفط، تم تأسيس قسم متخصص بالتسويق ضمن الدائرة الاقتصادية لشركة النفط الوطنية، وتولى هذا القسم التعاقدات وإصدار الوثائق من ميناء طرابلس في لبنان.
وكان الهدف الأساسي تدريب وتأهيل الكوادر العراقية تمهيدًا لتسويق النفط مباشرة من ميناء الفاو، الذي أعيد تأهيله لهذا الغرض في نيسان/أبريل 1972.
وجاء قرار تأميم النفط في الأول من حزيران/يونيو من العام ذاته ليمثّل نقطة تحوّل استراتيجية، إذ جرى إنشاء المديرية العامة لتسويق النفط لتتولى كامل مهام تسويق النفط الخام والمنتجات النفطية.
وارتبطت المديرية بداية بشركة النفط الوطنية، إلا أن طبيعة العمل التسويقي التي تتطلب سرعة في اتخاذ القرار دفعت إلى ربطها بلجنة المتابعة لشؤون النفط، ومنح مديرها العام صلاحيات تنفيذية كاملة، لتُعرف لاحقًا باسم المؤسسة العامة لتسويق النفط “سومو”.
وبعد إلغاء لجنة المتابعة، تشكلت هيئة إشراف جديدة برئاسة وزير النفط وعضوية ممثلين عن ديوان رئاسة الجمهورية والبنك المركزي والمدير التنفيذي للمؤسسة، لتكون المسؤول الأعلى عن إدارة التسويق.
سوق نفطية متغيرة.. وصلاحيات تزداد
في عام 1998، تحولت المؤسسة رسميًا إلى شركة تسويق النفط – شركة عامة مسجلة لدى وزارة التجارة وركّزت في عملها على تسويق النفط الخام العراقي والمشتقات الفائضة عن الاستهلاك المحلي، لكن مع الأحداث التي أعقبت عام 2003، ظهرت حاجة ملحّة لتوفير بعض المشتقات النفطية داخل السوق العراقية، فتم تكليف سومو باستيراد البنزين، وزيت الغاز، والنفط الأبيض، والغاز السائل، بهدف سد النقص الحاصل في السوق.
ومع اتساع حجم مهامها، باتت سومو تضطلع بدور مركزي في دعم الاقتصاد العراقي، من خلال تعظيم عائدات الصادرات النفطية وتعزيز الوجود العراقي في الأسواق العالمية، خاصة عبر عقود التصدير المباشر للمصافي وشركات التكرير الكبرى.
من التصدير إلى الاستيراد.. تعدد الأدوار
رغم أن التسويق الخارجي للنفط هو المهمة الأساسية لـ”سومو”، إلا أن الشركة أُنيطت بها أيضًا مهمة استيراد بعض المنتجات النفطية الأساسية، خصوصًا بعد تراجع الإنتاج المحلي عقب 2003.
وتقوم الشركة حصرًا بفتح الاعتمادات المستندية عبر المصرف العراقي للتجارة (TBI) لاستيراد البنزين والكازويل والكيروسين والغاز السائل، بهدف تأمين الطلب المحلي وضمان استقرار السوق.
كما تتولى “سومو” مسؤوليات إضافية تتعلق بتسديد مستحقات مقاولي عقود الخدمة، وفق أولويات مالية واضحة، وتقوم أحيانًا بتسديد هذه المستحقات عينًا بالنفط الخام، وذلك بموجب مصادقة مجلس الوزراء.
وتلتزم الشركة، نظريًا، بسياسات شفافة ومحايدة في عمليات التعاقد والتسويق، وتسعى لتحقيق أعلى عائدات ممكنة للعراق، وتوسيع حصته السوقية في الأسواق العالمية، مع خضوع عملياتها لرقابة حكومية من لجان مختصة في مجلس الوزراء والبرلمان.
إنجازات في ظل ضغوط وتقلبات
رغم التحديات، ساهمت “سومو” منذ تأسيسها في تعزيز الإيرادات النفطية للعراق، فبحسب بيانات 2021، بلغت مبيعات النفط الخام من المنافذ الجنوبية والشمالية نحو 33 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، بمتوسط شهري يبلغ 5.5 مليارات دولار، وحجم مبيعات قُدّر بـ 528 مليون برميل.
وفي عام 2022، ارتفعت الإيرادات بنسبة 57% مقارنة بالعام السابق، بينما وصلت في الأشهر الأربعة الأولى من العام اللاحق إلى 38.59 مليار دولار، بنسبة نمو سنوية بلغت نحو 82.8%.
ولم تقتصر إنجازات سومو على الأرقام، بل شملت أيضًا إعادة هيكلة استراتيجيتها التسويقية لتوسيع الحصة السوقية في آسيا وأوروبا، وخاصة مع تقلّص الإمدادات الروسية إلى أوروبا.
كما تسعى الشركة إلى ترسيخ علاقتها مع كبار المشترين لتعزيز استقرار الطلب على النفط العراقي، وتشارك بفاعلية في اجتماعات أوبك وحلفائها لضبط الإنتاج وتوازن السوق.
كما امتد نشاطها إلى تسويق النفط المنتج في إقليم كردستان، والتفاوض بشأن صادرات الإقليم ضمن إطار محاولات تعزيز التنسيق الوطني، إضافة إلى دراسة فرص الشراكة مع شركات نفط عالمية لتنفيذ أنشطة خارج العراق، ما يعكس طموحًا بالتوسع إقليميًا ودوليًا.
تحديات ثقيلة.. من الأسواق إلى الاتهامات
غير أن طريق “سومو” لم يكن خاليًا من العقبات فالشركة تواجه تقلبات حادة في أسعار النفط العالمية، نتيجة عوامل متعددة كجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
كما أن قرارات “أوبك” المتعلقة بخفض الإنتاج تؤثر على حجم صادراتها، ما يتطلب مرونة عالية واستراتيجيات سريعة للتكيف مع المتغيرات.
وتواجه “سومو” أيضًا تهديدًا سياسيًا دوليًا، إذ طُرحت في الإعلام الأميركي اتهامات بتورطها في تصدير نفط إيراني على أنه نفط عراقي، لمساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات وقد نفت “سومو” والحكومة العراقية هذه الاتهامات، مؤكدة أن بعض الناقلات المحتجزة كانت تحمل وثائق مزوّرة، وأن العراق لا علاقة له بتلك الشحنات.
التحديات اللوجستية والرقابية
تتعرض عمليات “سومو” أحيانًا للتعطيل بسبب الأحوال الجوية في الموانئ الجنوبية، إضافة إلى تهالك البنية التحتية وحاجة موانئ الخليج إلى التطوير كما يعاني النقل البحري من البيروقراطية، ونقص الكوادر، واللوائح القديمة، ما قد يؤثر على كفاءة التصدير.
أما في الداخل، فتخضع “سومو” لمراقبة مشددة من الجهات الرقابية العراقية، مثل هيئة النزاهة، وسط تقارير عن وجود فساد إداري ومالي، وتأخيرات في تحميل وتفريغ الناقلات، ما أدى إلى فرض غرامات باهظة على الشركة، إلى جانب تأثر سمعتها بسبب اتهامات التهريب والتلاعب.
“سومو” والاقتصاد العراقي.. علاقة مصيرية
لا يمكن الحديث عن الاقتصاد العراقي دون التطرق إلى “سومو”، فهي القناة الرئيسية التي تدير تصدير أكثر من 90% من موارد البلاد، وكل نجاح تحققه الشركة ينعكس على قدرة الحكومة في دفع رواتب الموظفين، وتمويل الخدمات، وإنجاز المشاريع.
وفي المقابل، فإن أي خلل في أداء “سومو”، أو تعرضها لعقوبات، يشكل خطرًا مباشرًا على استقرار الاقتصاد الوطني، لذلك تُعد الشركة من أبرز مراكز الثقل الاقتصادي في العراق الحديث، ومرآة تعكس تعقيدات العلاقة بين السياسة والنفط في بلد يعوّل على هذه الثروة أكثر من أي وقت مضى.