تشرع شبكة المراسلة المصرفية العالمية “سويفت” SWIFT في مبادرة رائدة لإطلاق منصة جديدة خلال العام أو العامين المقبلين، تهدف من خلالها إلى ربط موجة العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDCs قيد التطوير حالياً بالنظام المالي الحالي للشبكة، ومن المُتوقع أن تكون هذه الخطوة بمثابة دليل رئيسي للنظام البيئي القادم للعملات الرقمية للبنوك المركزية.
وفي سياق تعليقه على الخبر، خلال مقابلته مع “النهار العربي”، يشرح الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد في جامعة قطر د. جلال قناص أن “تطور تجارب بعض البنوك المركزية بالعمل على إصدار عملات رقمية مركزية، بالإضافة إلى تطور تكنولوجيا “البلوكتشين” والأصول الرقمية، دفع “سويفت” إلى تطوير منصة لربط العملات الرقمية الناشئة للبنوك المركزي CBDCs بالنظام المالي الحالي”.
وعن أهمية الخطوة يقول قناص: “تعتبر هذه الخطوة مهمة لأنها ستسمح بالتكامل السلس للعملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية في المعاملات عبر الدول، ويمكن أن يكون المفتاح في هذه المنصة الجديدة هو ضمان أن العملات الرقمية المختلفة للبنوك المركزية – حتى مع وجود تقنيات مختلفة – يمكن أن تعمل معاً، ما يُقلّل من مخاطر تصدع النظام المالي الجديد. وستسمح المنصة بإجراء مدفوعات دولية باستخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية دون الحاجة إلى وسطاء أو تحويل العملات، ما يوفر الوقت والمال، وستُسهل المنصة التجارة الدولية من خلال تسريع وتيرة المعاملات وخفض تكاليفها، بالإضافة إلى أنها ستُشجع على تطوير حلول جديدة ومبتكرة في مجال المدفوعات الرقمية”.
ويستكشف ما يقرب من 90% من البنوك المركزية في العالم الإصدارات الرقمية من عملاتها، لذلك ستعالج منصة “سويفت” الجديدة التعقيدات التكنولوجية التي تواجهها مع اعتماد العملة الرقمية للبنوك المركزية.
وعن تجربة “سويفت” الأخيرة التي استمرت لمدة 6 أشهر، يقول قناص: “بعد تجارب بالتعاون مع 38 مؤسسة مالية عالمية من بنوك مركزية وبنوك تجارية ومؤسسات مالية، تظهر حالات استخدام جديدة لحل “السويفت” عبر التجارة الرقمية والأوراق المالية والعملات الأجنبية. وهذا يعكس أن منصة “سويفت” يمكن أن تساعد المؤسسات المالية من دمج العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية والأصول الرقمية الأخرى بسهولة في الممارسات التجارية السائدة”.
كما تُعد القدرة على ربط البنى التحتية للأسواق الناشئة والقائمة أمراً ضرورياً لتحقيق الفوائد المحتملة الناتجة من الترميز والعملات الرقمية للبنوك المركزية. فمعظم البنوك متحمسة لمواصلة التعاون مع “سويفت” ونظرائه الآخرين في الصناعة لاحتضان نموذج مفتوح وشامل ومحايد للتكنولوجيا، يسمح بمزيد من الكفاءة، الدفع مقابل الدفع والتسليم مقابل الدفع والتسوية التجارية عبر شبكات مختلفة.
وستساعد كل تلك التفاصيل وغيرها على تسهيل الوصول إلى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية واستخدامها في العالم المعقد الجديد للمدفوعات الرقمية. كما أنه يحل الحاجة إلى وجود بعض التوحيد القياسي والقواعد المشتركة التي تعد عامل نجاح رئيسياً آخر لتوسيع استخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية.
ومن جانب آخر، يشير قناص إلى أنه “يمكن أيضاً أن تكون هذه الخطوة استباقية لتطوير المنصة لملاءمة التطورات المالية الرقمية الحاصلة لمواجهة اقتراح روسيا والصين ودول بريكس لبناء نظام للتحويلات المالية متطور بالعملات الرقمية المركزية لهذه الدول، كبديل لنظام سويفت من أجل إيجاد بديل للدولار والنظام المالي العالمي الحالي”.
ويختم قناص: “يمكننا أن نتوقع إطلاق هذه المنصة في غضون عام أو عامين قادمين، ومن المحتمل أن يتزامن ذلك مع طرح العملات الرقمية الرئيسية للبنوك المركزية. لذلك تتكيف “سويفت” مع هذا المشهد المتطور من خلال إنشاء جسر بين العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية والتمويل التقليدي”.
ترميز الأصول
وتدرك سويفت إمكانية ترميز الأصول، حيث تشير التوقعات إلى وجود فرصة كبيرة في السوق بحلول عام 2030، في الوقت الذي كشفت فيه توقعات مجموعة بوسطن الاستشارية أنه بحلول العام نفسه يمكن ترميز ما قيمته حوالي 16 تريليون دولار من الأصول، يتضمن الترميز عملية تحويل الأصول مثل الأسهم والسندات إلى شرائح رقمية يمكن إصدارها وتداولها.
تاريخ “سويفت”
قبل “سويفت” كان التلكس Telex هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لتأكيد الرسائل لتحويل الأموال دولياً. لكن السرعة المنخفضة والمخاوف الأمنية وتنسيق الرسائل المجانية أعاقت “التلكس”، حيث لم يكن لدى “التلكس” نظام موحد من الرموز مثل “سويفت” لتسمية البنوك ووصف المعاملات، وكان على مرسلي التلكس أن يصفوا كل معاملة في جمل يفسرها المتلقي وينفذها، وأدى ذلك إلى حدوث العديد من الأخطاء البشرية، فضلاً عن إبطاء أوقات المعالجة.
وتم إنشاء نظام سويفت في عام 1973 في بلجيكا بمشاركة 239 بنكاً في 15 دولة، وتم إطلاق خدمات المراسلة الخاصة به في عام 1977، وهو نظام مراسلة واسع وآمن يسمح للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى من جميع أنحاء العالم بإرسال واستقبال معلومات مشفرة، وتحديداً تعليمات تحويل الأموال عبر الحدود، إذ تقوم الشبكة العالمية بنقل الرسائل المالية بطريقة آمنة وفي الوقت المناسب مثل الاتصالات المالية العالمية بين البنوك.
وباتت “سويفت” لاعباً محورياً في الخدمات المصرفية العالمية وابتكاراتها، حيث تتمثّل ميزتها الرئيسية بأن شبكتها الحالية قابلة للاستخدام في أكثر من 200 دولة، وتربط أكثر من 11500 بنك وصندوق يستخدمونها لإرسال تريليونات الدولارات يومياً.