محمد صلاح
لأن الدوحة اختارت السير في الطريق نفسه الذي سلكته جماعة الإخوان المسلمين، وانتهى بها إلى هذا المستوى المزري، ونهاية مأسوية لجماعة ظلت على مدى عقود تتمتع بظهير شعبي حتى من غير أعضائها، فعليك أن تتوقع المصير الذي ستؤول إليه قطر في مواجهتها مع الدول العربية الأربع، التي لم تطلب منها سوى كف الأذى، ووقف دعمها للإرهاب، وإغلاق صنبور الإنفاق على الإرهابيين، ووضع حد لاحتضان رموزهم والامتناع عن توفير ملاذات آمنة لهم. كلما تحدثت الدوحة عن “سيادة قطر” تأتي إلى الذهن على الفور عبارة “شرعية مرسي”، التي يتغنى بها الإخوان منذ ثورة الشعب المصري على حكم الجماعة وعزل محمد مرسي قبل أربع سنوات. فالتشبث بتلابيب شعار ما أسلوب معروف بالنسبة إلى أطراف لا تملك حجة وتدرك ضعف مواقفها في كل أزمة. استغل الإخوان الدعم الغربي عموماً والأميركي خصوصاً أثناء فترة حكم باراك أوباما وقفزوا إلى السلطة في مصر، وأزاحوا كل القوى السياسية وطاردوا رموزها ونكّلوا حتى بمن تحالف معهم، وحاصروا المحاكم اعتراضاً على أحكامها، واقتحموا مدينة الإعلام عندما انتقدهم بعض المذيعين، وسَعَوا إلى أخونة مؤسسات الدولة وسرطنة المجتمع بزرع فيروسات عناصرهم في كل مكان ولم تفارقهم عبارة “شرعية مرسي”. وحين سعى بعض الوسطاء، بعد عزل مرسي، إلى إقناعهم بفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ووقف الاعتداءات على المقار الحكومية، وحرق المؤسسات وتفجير محولات وأبراج الكهرباء واغتيال رجال الشرطة وضباط وأفراد الجيش، ظل الإخوان يرددون العبارة، واستمروا يحفرون تحت أقدامهم ليزدادوا هبوطاً إلى القاع، بينما كانت مصر تخرج من عباءة حكمهم، والشعب المصري يكتشفهم ويعقد العزم على إبعادهم عن المشهد السياسي ومنعهم من الإتجار بالدين مجدداً. تُحدثهم عن تاريخ الإخوان الدموي فيتكلمون عن شرعية مرسي، تُعاتبهم على الاستقواء بالغرب والتحالف مع دول وحكومات وجهات لا تريد الخير لمصر فيؤكدون تمسكهم بشرعية مرسي!! تُنبههم إلى أن أفعالهم تضر بسلامة الوطن وتؤثر على حق المصريين في العيش بأمان وتتسبب في تدهور الاقتصاد وانتشار الفوضى فيبشرونك بأن شرعية مرسي لم تُسقط بعد!! وحين تحذرهم بأن تحالفهم مع قطر وتنسيقهم مع تركيا يسيئان إلى سمعتهم في مصر، يردون “طز في مصر” والمهم “شرعية مرسي”، تخبرهم أن مهدي عاكف توفي في المستشفى عن عمر ناهز التسعين يردون بأنه قُتل دفاعاً عن “شرعية مرسي”!!
على الجانب الآخر، تراوغ قطر وتماطل وتلوم أربع دول عربية اكتوت بنار الإرهاب، وتروج الدوحة لحصار تتعرض له، وتسوق بأن الدول الأربع تنتقص من سيادة قطر، فيما هي تحتمي بقاعدة أميركية وعسكر تركي وتلقي بنفسها في الحضن الإيراني. تُحدث الناطقين باسم قطر عن خطر الإخوان المسلمين واستخدام الأموال القطرية لهدم المجتمعات العربية فيحدثونك عن جماعة دعوية سياسية وسيادة قطر!! تُنبههم إلى الخطر الإيراني وحكم الملالي الذي سعى على مدار أربعة عقود إلى هدم المجتمعات العربية فيخبرونك عن حقل غاز يتشاركان فيه والسيادة القطرية، تطلب منهم وقف الابتزاز الإعلامي وخداع الناس وسب الحكام والتحريض على الفوضى والعنف فيدّعون حرية الإعلام وسيادة قطر!!
بغض النظر عن أفعال الماضي والجرائم التي ارتكبت، ليس مطلوباً من الدوحة الآن سوى وقف دعم الإرهاب وتمويله، واتخاذ الإجراءات التي تكفل الحفاظ على الأمن القومي العربي، والامتناع عن تبني خطاب إعلامي ينشر الكراهية ويساعد على تفشي الفوضى والعنف، ولم يكن مطلوباً من الإخوان يوم أن ثار الشعب المصري على حكم الجماعة إلا الإقرار بالخطأ والاعتذار عن الجرائم والتصرفات المشينة ثم العودة إلى الصواب.
سقطت شرعية مرسي حين ضرب الإخوان الشرعية الشعبية والقانونية والدستورية والإنسانية، لكن الجماعة أعطت لنفسها الحق في ممارسة الإرهاب ونشر الفوضى وهدم الدولة المصرية على من فيها تحت لافتة “شرعية مرسي”، وانتُهكت سيادة قطر عندما سُمح بحضور لإيران في القرار القطري، وبوجود للعسكر التركي في شوارع الدوحة وضواحيها، وللإخوان بخلايا تسرطنت في المؤسسات القطرية.