هذا ما تركز عليه منظمة الصحة العالمية داعية إلى التركيز على الاختلافات بين الرجل والمرأة في السياسات الصحية والعلاجية والبحثية. في اليوم العالمي للمرأة، نسلط الضوء على السياسات الصحية والأبحاث والدراسات التي لا تراعي الاختلافات الجندرية على المستوى الصحي. فثمة حاجة إلى خطوات عديدة لردم الهوة كما هو مطلوب، لأنه يحق للمرأة أن تحظى بجودة حياة لا تقل مستوى عن تلك التي يحظى بها الرجل.
تواجهها المرأة ولا يواجهها الرجل!
نادراً ما تحسب السياسات الصحية والتجارب والأبحاث الهادفة إلى التوصل إلى علاجات حساب الاختلافات بين الرجل والمرأة، على المستويات الصحية والبيولوجية والفيزيولوجية. وتواجه المرأة مشكلات صحية كبرى لا يمكن التهاون فيها لخطورتها ولانتشارها، حتى إن الاستجابة للعلاجات تختلف بين الرجل والمرأة، بحسب ما ورد في تقرير نشره المنتدى الاقتصادي العالمي.
والأسوأ، إن نسبة كبيرة من المشكلات الصحية النسائية لا تشخص في الوقت المناسب، أو تشخص بطريقة خاطئة. وأحياناً، قد تمر سنوات قبل أن يجد الأطباء جواباً لها. لذلك، على الرغم من أن للمرأة معدل سنوات عيش يزيد على الخاص بالرجل، تمضي نسبة 25% من حياتها بجودة حياة دون المستوى المطلوب مقارنة بالرجل، مع ضرورة التوضيح أن من أصل 9 مشكلات صحية تظهر فيها الفجوة في المعالجة والاستجابة الصحية بين الرجل والمرأة، هناك 7 مشكلات جوهرية تصيب المرأة حصراً، منها:
– بطانة الرحم المهاجرة (endometriosis): حالة تصيب امرأة من 10 نساء، ويتطلب حصولها على التشخيص المناسب قرابة 10 سنوات، وحتى اللحظة لا علاج لها.
– مرحلة انقطاع الطمث
– سرطان الثدي
أما المشكلتان المتبقيتان فتصيبان المرأة بطريقة مختلفة مقارنة بالرجل، وهما الصداع النصفي وأمراض القلب.
وتظهر التقارير أن التعاطي مع هذه المشكلات الصحية يساعد على إعطاء المرأة فرصة عيش يومين ونصف يوم صحيين إضافيين في السنة كمعدل عام. إلا ان تأمين الاستجابة المطلوبة لهذه المشكلات الصحية يواجه عوائق عديدة، منها عدم توافر البيانات الموثوقة والكافية، وعدم وجود تمثيل نسائي كافٍ في التجارب السريرية… إذ لا تشكل النساء أكثر من نسبة 22% من المشاركين في المرحلة الأولى من التجارب السريرية.
وتبرز الحاجة إلى التركيز على مبدأ أن تأثير العلاجات والأدوية يختلف بين الرجل والمرأة، ما يمكن أن يساعد على توفير علاجات أكثر فاعلية في المشكلات التي تخص المرأة حصراً.
على الرغم من ذلك، 10% من التجارب السريرية حول الصداع النصفي وأمراض القلب فقط تقدم بيانات خاصة بالجنسين. وغالباً ما يكون الرجل المعيار في التجارب والأبحاث التي تجرى وهذا ما يؤدي إلى عدم توفير علاجات بالفاعلية المطلوبة وإلى زيادة الآثار الجانبية التي يمكن أن تصيب المرأة لدى الحصول عليها.
لذلك، من الخطوات المطلوبة اليوم لتحقيق المساواة بين الجنسين في الاستجابة الصحية:
– تأمين التنوع في البيانات الخاصة بصحة المرأة
– التركيز على الفوارق بين الجنسين في الأبحاث والدراسات
– تعزيز تمويل للتجارب والأبحاث
– تقديم رعاية صحية تأخذ بالاعتبار الاختلافات بين الجنسين
ماذا عن السياسة الصحية في لبنان؟
يقول الدكتور فادي جردلي، مدير مركز ترشيد السياسات في الجامعة الأميركية في بيروت لـ”النهار”: “لا تقتصر المشكلة على قطاع الصحة، بما أن التمييز الذي يمارس بحق المرأة يرتبط بمختلف جوانب الحياة سواء على المستوى السياسي أو القانوني أو الاجتماعي، وثمة حاجة إلى بذل جهود كبرى بهدف تحقيق المساواة في وضع السياسات العامة، ولا يمكن الحديث عن سياسات صحية تنصف المرأة من دون التركيز على دور المرأة في وضع السياسات العامة”.
وبحسبه، ليست المشكلة موجودة في لبنان وحده، بل في دول كثيرة، خصوصاً في دول المنطقة. وتبدأ المشكلة في مواجهة الأمراض بالبيانات المتوافرة التي لا تميز بين الجنسين. وأيضاً، في مجال التمويل الصحي، لا تركيز على الاختلافات الجندرية والاحتياجات المختلفة بين الرجل والمرأة.
على سبيل المثال، لا تستند كافة الدول على عوامل الخطر الخاصة بالمرأة في تغطية وسائل الكشف المبكر، مثل الصورة الشعاعية للثدي، “فلا تنتبه إلى المخاطر الصحية الخاصة بالمرأة في التغطية والتمويل، والمطلوب أن تتناول المعلومات الصحية والبيانات احتياجات المرأة، إذ يبدو لافتاً أن مشاركة المرأة في التجارب السريرية خجولة، وعلى الرغم من التحسن الحاصل في السنوات الأخيرة لا تزال النسبة غير مساوية مع نسبة الرجل”.
لتحقيق التطور في هذا المجال، يدعو جردلي إلى الاستفادة من تجارب الدول الناجحة، “وهذا يساعد على التطور وتوفير احتياجات الجنسين، إضافة إلى أهمية صون دور المرأة في الموارد البشرية والأبحاث والتمويل وفي توفير البيانات الصحية، وأهمية أخذ دورها في الحسبان، في التشريعات الصحية. فثمة تحديثات ضرورية مطلوبة في هذه التشريعات التي لها علاقة بالصحة”.