سياسة النسف وملحقاتها

5

باسم برهوم

ليس لدينا إحصائيات حول عدد المباني والمنشآت التي تقوم إسرائيل بنسفها على مدار الساعة منذ إعلان وقف إطلاق النار، ولكن بالتأكيد هي أعداد كبيرة جدا، والمشكلة أن عمليات النسف تمر كخبر بين الأخبار. ولا أحد يناقش أو يحلل مغزى حرب النسف هذه، أو أن ذلك هو عملية تطهير عرقي ممنهجة، تذكر بما جرى بالضبط في نكبة العام 1948. في ذلك الحين احتلت إسرائيل مناطق شاسعة من فلسطين، شردت المواطنين الفلسطينيين بمئات الآلاف، أصحاب الأرض الأصليين، وبهدف ألا يعودوا، أو إن عادوا لن يجدوا مأوى لهم ويضطرون للهجرة مجددا. خلال تلك النكبة أمر بن غوريون في صيف العام 1948 بنسف وإحراق كافة القرى والبلدات التي تم تشرد الفلسطينيين منها (500 قرية وبلدة).

ما يتم اليوم في قطاع  هو عملية نسف ممنهجة. ليس الأمن وتفادي التهديد سببا لها بالتأكيد، وإنما هي عملية تنظيف ومنع احتمال عودة السكان في المستقبل. خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار أن جيش الاحتلال يسيطر على ما يقارب 55 بالمئة من مساحة القطاع، وداخل هذه المناطق مدينة رفح بالكامل، ونصف مدينة خانيونس، وأطراف مدينة غزة، وأجزاء من جباليا ومعظم بيت حانون، وبيت لاهيا، وعدد من القرى والبلدات، وبالامكان والحالة هذه تخيل مخاطر عملية النسف المتواصلة.

وإلى جانب النسف الممنهج، تتواصل الغارات والقصف المدفعي وتمشيط المناطق بالرشاشات الثقيلة، ونتيجة لكل ذلك استشهد ما يقرب من 300 فلسطيني، واكثر من 700 جريح. وهي ارقام تعادل خسائر معارك لمدة ستة اشهر من الحرب الاوكرانية. ما يقوله الواقع فإن وقف إطلاق النار لم يتم احترامه من قبل إسرائيل، بل ان الحرب مستمرة عمليا، ولكن بوتائر وأشكال مختلفة. ولو حصلنا على تقدير أو إحصائية عن حجم عمليات النسف، لخرجنا باستنتاج ان إسرائيل تواصل عملية التطهير العرقي.

تبادل الجثث الاستعراضي، من قبل حماس، والتركيز الإعلامي على هذا التبادل، يهمش بشكل خطير ما تقوم به إسرائيل على أرض الواقع، مئات المباني تم نسفها منذ وقف إطلاق النار، وخلال ذلك لا يزال القطاع يخضع للحصار المشدد. فلا يزال معبر رفح مغلقا. بالرغم من ان الاتفاق نص على ان يفتح بالاتجاهين من لحظة وقف إطلاق النار، كما لا تزال المساعدات اقل بكثير من حاجة القطاع، الذي فرضت عليه إسرائيل مجاعة قاسية لشهور طويلة.

والانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية تتم ببطء، ومن الواضح أن لكلا الطرفين، حماس وإسرائيل مصلحة في ذلك، كل لأسبابه، ولكن من يخسر هم الغزيون، والقضية الفلسطينية، التي بدأت تفلت بدرجة كبيرة من أيدي أصحابها، وباتت دول وقوى أخرى تتحكم بها. مشاورات مجلس الامن وعدم الوضوح بما يتعلق بمستقبل قطاع غزة، وإذا ما يتم الحديث عن أي ربط بينه وبين الضفة، وأن القطاع تحول إلى مجرد قطعة أرض يتنازع عليها كثيرون، أو يفكر بكيفية الاستثمار فيها كثيرون، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.

حتى اللحظة ليس من بين كل النصوص المسربة ما يتضمن إشارات واضحة أن قطاع غزة والضفة إقليم موحد يمنع تجزئته. كما لا يربط أي نص مع حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، أو حتى نص واضح بخصوص منع الضم في الضفة ولا التوسع الاستيطاني. وما دام هذا الوضوح غائبا فإن ما يجري لا يمكن أن يطمئن له الشعب الفلسطيني، أو يرى فائدة من التعامل معه بشكل جدي. وكما تحاول إسرائيل تغيير قواعد اللعبة، في كل اتفاق، كما في لبنان واليوم في غزة، وكما تحاول إسرائيل الحصول على ورقة ضمانات من واشنطن تتيح لها حرية الحركة، حتى بعد توقيع الاتفاقات، فإن من حقنا أن نحصل على نصوص واضحة في مشاريع الحلول، أو أن نحصل على ورقة ضمانات مكتوبة من الإدارة الأميركية، تؤكد على عدم الضم، وعلى وحدة الإقليم الجغرافي الفلسطيني.

التعليقات معطلة.