سيناريوهات محتملة لمواجهة بين أمريكا و كوريا الشمالية

1

تحت عنوان “شبه الجزيرة الكورية: الدبلوماسية أم الحرب؟” نشرت الجريدة الالكترونية الروسية “نيزافيسيمايا غازيتا” مقالا للباحث البروفسورغيورغي تولورايا، رئيس المركز الاستراتيجي الروسي للشؤون الاسيوية التابع لاكاديمية العلوم الروسية.

وننقل فيما يلي اهم ما جاء في هذا المقال نظرا لاهميته:

بتهديده أميركا، اجتاز زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الخط الاحمر.
بالرغم من العقود التي انقضت منذ وقف الأعمال الحربية في كوريا في تموز/ يوليو 1953 – سواء الحرب الأهلية أو الاشتباك بين النظامين داخل العالم الثنائي القطبية الذي كان يضم الصين (واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وراءها) وبين الولايات المتحدة الاميركية، لم يتغير الى الان جوهر ما يحدث في شبه الجزيرة الكورية. وخلال أحداث 60 عاما مضت لم يحقق أي من الطرفين ما يرغب فيه، ويأمل كل طرف أن “العدالة التاريخية” في رأيه التي تقع الى جانبه ستنتصر عاجلا أو آجلا.
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت كوريا رهينة في “اللعبة الكبرى” للقوى العظمى، وعلى وجه التحديد الآن اذ سيختفي النظام العالمي ذي القطب الواحد “المتمركز في أميركا”، أو سيجري إيجاد توازن جيوسياسي جديد مع عدة مراكز للقوة.

وبالتالي فإن المخاطر مرتفعة، ولا تقتصر على قنبلة كوريا الشمالية.. لذلك، من وجهة نظر “تفاؤلية”، مهما كان الوضع سيئا، لا ينبغي اليأس: لأن الوضع يمكن أن يصبح أسوأ من ذلك، واليوم، فإن شدة الأزمة، ربما هي في الذروة – ولنذكر أن الرئيس الأمريكي وبكل جدية هدد كوريا الشمالية بـ “الدمار الكامل”..

ان كوريا الشمالية كانت منذ فترة طويلة تخشى ذلك، وبالتالي كانت تعمل بحماسة لخلق “رادعها النووي” والان تعمل لتحسينه.

وقد بدأ العمل بهذا البرنامج، فضلا عن تصميم الصواريخ، منذ عقود: وليس من المستغرب أنه بعد انهيار اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، فإن قادة كوريا الشمالية، فقدوا الحلفاء، فبذلوا كل جهودهم لخلق الضمانة الوحيدة التي تحمي بلادهم من التدخل الخارجي، وقد ساعدتهم أمثلة يوغوسلافيا وليبيا والعراق على التمسك برأيهم القائم على بصيرتهم الخاصة.

واليوم، تفتخر جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بإمكانية إنتاج قنبلة نووية حرارية (وقد تأكد ان التجربة التي جرت في 3 سبتمبر/ أيلول، كانت بقوة انفجار 250 كيلوطنا) (ملاحظة: قوة انفجار قنبلة هيروشيما كانت 20 كيلوطنا). كما أنها تمكنت من صناعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، واكدت تجارب صاروخ هواسون -12 وهواسون -14 أن البلد لديه مثل هذه التكنولوجيات (ويقال ان ذلك لم يكن بدون الحصول على تكنولوجيات الصواريخ بطرق غير مشروعة من الخارج). ولا تزال هناك شكوك حول ما اذا كانت كوريا الديمقراطية فى وضع يسمح لها بتركيب رأس حربي نووي على الصواريخ وايصال الشحنة القاتلة الى النقطة المنشودة، وما اذا كان من الممكن اسقاط الصاروخ بأحد الصواريخ المضادة الاميركية. ولكن لا احد يستطيع التحقق من ذلك. وقد هددت كوريا الشمالية بالقيام بالفعل بالاختبارات في المحيط الهادئ لاقناع المشككين.

واليوم، يعتقد المزيد والمزيد من “الصقور” في الولايات المتحدة انه من الضروري المخاطرة قبل فوات الاوان، وان الجيش الاميركي “تحسبا لأي احتمال” يقوم باستعدادات روتينية لضرب كوريا الديمقراطية لتدمير قدراتها النووية. ويأمل البعض ألا يؤدي ذلك إلى التصعيد وبداية حرب شاملة.

في السابق، لم يكن الأمر كذلك: فهل هذه الحالة تقتصر على شخصية دونالد ترامب، الذي طرح في صلب أجندة السياسة الخارجية مسألة منع بيونغ يانغ من إنشاء ترسانة قادرة على تهديد أميركا؟

والواقع هو أنه في السابق، وبالرغم من جميع اتهاماتها بـ”العدوانية”، لم تكن جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، بحاجة إلى مهاجمة جيرانها – وكان القصد من نظامها الردعي هو الدفاع عن النفس، ولكن الاميركيين، بصرف النظر عن الحرب الخطابية العمومية، كانوا يستفيدون من التوتر في شبه الجزيرة الكورية.. فـ”الفوضى المدارة” كانت تسمح لهم بالاحتفاظ بقبضة عسكرية كبيرة في آسيا والضغط على الصين، المنافس الجيوسياسي الرئيسي لاميركا.

ولكن كيم جونغ اون غير اللعبة وتجاوز الخط الاحمر: اذ بدأ يهدد أمريكا نفسها، حيث انه تمكن من صنع ليس فقط الرؤوس الحربية النووية، ولكن أيضا وسائط ايصالها. إن التهديد بشن ضربة نووية لاراضي الولايات المتحدة الاميركية لم يعد لدى مخططي البنتاغون مسألة خيال هوليودي، بل واقعا مخيفا.

ولكن بالرغم من الشكوك حول حقيقة هذا التهديد، فإن الاشخاص ذوي المصلحة لا يتوقفون عند هذه الشكوك، بل يهمهم التركيز على خطر التهديد القائم وضرب ميزانية الدولة لمصلحتهم.

والولايات المتحدة لن تكون هي الولايات المتحدة، “زعيمة العالم الحر”، و”المدينة المتلألئة فوق المرتفع”، إذا تهاونت امام التهديد الحقيقي لاحد المنبوذين الدوليين.. إن التاريخ الطويل للحرب الباردة يلزم اميركا، كبديل للحرب الساخنة، بقبول اتخاذ مواقف شبيهة بمواقف المواجهة مع روسيا والصين (وقد لعب مثال أزمة الكاريبي في عام 1962 دورا هاما على هذا الصعيد).

ويستند هذا التعايش القسري إلى مبدأ “التدمير المتبادل المؤكد”، وتواصل الولايات المتحدة محاولاتها لتقويض هذا التوازن الاستراتيجي (بما في ذلك من خلال إنشاء الدرع الصاروخية والاسلحة العالية الدقة)، ولكن نظام كوريا الديمقراطية لا يدرج بأي حال من الأحوال في نظر الأميركيين كلاعب فاعل في السياسة الدولية، وبالتالي فإن “التسليم” له بذلك من شأنه أن يقوّض أسس الهوية الأميركية.

والواقع إن الاعتراف الفعلي بالوضع النووي لكوريا الديمقراطية والانتقال إلى سياسة الردع البارد ضدها محفوفان بعواقب غير مريحة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة: ان ذلك يمثل ضربة خطيرة لنظام حظر الانتشار النووي وله “تأثير الدومينو”، وضربة لمكانة أميركا باعتبارها زعيمة عالمية تقوم زعامتها على الاحتكار النووي، وستكون لذلك عواقب سياسية سلبية خارجية وداخلية بالنسبة لاميركا.

التعليقات معطلة.