– الجزء السادس –
جميل عبدالله
الطرح المفاجئ للمحضر المتفق عليه عام 1963 والخريطة المقدمة من بريطانيا في مشروع القرار 687 / 1991 .
عند صدور قرار مجلس الأمن رقم 686 / 1991 بتاريخ 2 آذار 1991 الذي مهد للوقف الرسمي للإطلاق النار لم يرد فيه اي ذكر لمسألة الحدود بين العراق والكويت او اي اتفاق متعلق بها , وانما ورد في ديباجة تأكيد التزام جميع الدول الأعضاء باستقلال العراق والكويت وسلامة أراضيها .
ويبدو ان الدول التي كانت تعد صياغة مشروع القرار 687 / 1991 قد جوبهت باعتراضات من بعض الدول الأعضاء في المجلس حول موضوع اختصاص المجلس في تخطيط الحدود وضمانها ودرست هذه الدول وخاصة بريطانيا تطورات مسألة الحدود بحيث جاء ذكر المحضر المتفق عليه كونه مستندا قانونيا يبنى عليه تصرف مجلس الأمن الذي يستهدف تنفيذ هذا السند القانوني ليس الا . والطلب من الأمانة العامة للأمم المتحدة المساعدة الفنية في ذلك , اي تخطيط الحدود .
لذلك وبغية تغطية الثغرات القانونية في مشروع القرار وردت الى مجلس الأمن والأمانة رسالتان : الأولى من الممثل الدائم للملكة المتحدة بتاريخ 28 آذار 1991 مرفقة بعشر خرائط للحدود العراقية الكويتية أعدها المدير العام لدائرة المساحة العسكرية في المملكة المتحدة . وقد أعدت هذه الخرائط , كما ورد في الرسالة , على أساس رسالة رئيس وزراء العراق المؤرخة في 31 تموز 1932 ورسالة حاكم الكويت المؤرخة في 10 أب 1932 في الوثيقة رقم (22412/ S) . واعتبرت هذه الخرائط من المواد المناسبة لتخطيط الحدود العراقية الكويتية بموجب الفقرة العاملة الثالثة لقرار مجلس الأمن 687 / 1991 .
الثانية : رسالة وردت من الممثل الدائم للكويت بتاريخ 2 نيسان 1991 وبعد ان قدمت الدول مشروع القرار 687 / 1991 لان مشروع القرار اتخذ الوثيقة رقم (22430 / S) بينما اتخذت رسالة الكويت الوثيقة رقم (22432/ S) وقبل يوم من مناقشة مشروع القرار وجاء فيها : أود ان أشير الى مجموعة معاهدات الأمم المتحدة رقم 7063 التي تتضمن نص محضر متفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والأمور ذات الصلة . وسأغدو ممتنا اذا اتخذتم الترتيبات اللازمة لتعميم هذا النص . بحيث جاءت هذه الرسالة من ثم نوعا من التدارك لمنح مشروع القرار الأساس القانوني في ما يتعلق بما ورد في الديباجة او الفقرات العاملة عن تخطيط الحدود .
اذا جاء في الفقرة السادسة من الديباجة لأول مرة في وثائق مجلس الأمن ذكر للمحضر المتفق عليه بين الكويت والعراق في 4 تشرين الأول 1963 . كما جاء في الفقرة العاملة الثانية نص يطالب بان يحترم العراق والكويت حرمة الحدود الدولية وتخصيص الجزر على النحو المحدد في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت والجمهورية العراقية . وطلبت الفقرة العاملة الثالثة من الأمين العام ان يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة لتخطيط الحدود مستعينا بالمواد المناسبة بما فيها الخرائط المرفقة برسالة الممثل الدائم للمملكة المتحدة بتاريخ 28 / آذار 1991 .
والسؤال المشروع الذي يطرح هنا : من هي الجهة التي أتت على ذكر المحضر المتفق عليه وأرفق الخرائط التي قدمتها المملكة المتحدة بتاريخ 28 آذار 1991 وأرسلت رسالة مندوب الكويت بعد تقديم مشروع القرار بتاريخ 2 نيسان 1991 ؟
وكنا قد اشرنا الى المبادرة البريطانية لتخطيط الحدود بين العراق والكويت في عام 1932 , وتعود نفس الجهة لتقدم الى الأمم المتحدة مجموعة خرائط لتطبيق محضر لم تورد ذكره الكويت نفسها طيلة فترة مناقشة مجلس الأمن للموضوع .
وقد ورد ذكر هذا المحضر لتسويغ صلاحية مجلس الأمن في تخطيط الحدود التي تعود أصلا الى اتفاق الدول الإطراف او اللجوء الى محكمة العدل الدولية . بحيث يقال ان مجلس الأمن لن يخطط الحدود بين العراق والكويت وانما يساعدهما بصورة تقنية في تنفيذ ما اتفقنا عليه سابقا .
وقد ورد ذلك على لسان أكثر من مندوب من متبني مشروع القرار . فقد قال مندوب المملكة المتحدة ” ان القرار لا يحاول تسوية الحدود بين هذين البلدين وانما قام بهذا فعلا اتفاق عام 1963 بينهما , الذي سجل لدى الأمم المتحدة . الا ان عدم وضع تلك الحدود وعزم العراق على أثارة دعاوى إقليمية لا تتحاشى مع اتفاق عام 1963 أنما يمثلان جذور ذلك النزاع ويجب علاجهما .
وجاء في كلمة مندوب الولايات المتحدة الأمريكية : ان المجلس لن يضع الحدود بين العراق والكويت وإنما ينفذ الاتفاق الموقع بين الطرفين عام 1963 والذي سجل في الأمم المتحدة . وان العراق لم يحتج قط على هذا الاتفاق و لا على تسجيله في الأمم المتحدة ولكن العراق غزا الكويت في أب 1990 واحتلها وحاول ضمها . ومهمتنا ألان , وفقا لمسؤولياتنا بموجب الفصل السابع من الميثاق , تتمثل في إرساء السلم بحيث لا يقوم العراق مرة أخرى بتهديد سيادة الكويت وسلامتها الإقليمية . ولذلك يطلب القرار ان يحترم العراق والكويت حرمة حدودها الدولية المتفق عليها في عام 1963 , ويطلب الى الأمين العام ان يساعد في اتخاذ الترتيبات اللازمة لترسيم الحدود بين العراق والكويت , ويقرر ان يضمن حرمة الحدود الدولية المذكورة .
وتطرق مندوب الصين الى هذا الموضوع فقال : اننا نحترم الأنفاق المتعلق بمسألة الحدود الذي توصلت اليه الكويت والعراق في عام 1963 من خلال المفاوضات , وفي رأينا , ان المحاضر المتفق عليها , والتي سجلت لدى الأمم المتحدة منذ امد طويل , تشكل وثيقة قانونية وسارية المفعول .
وعندما رد مندوب الكويت على مندوب العراق في نهاية الجلسة قال : ان الحدود التي يشير اليها القرار لم تفرض على العراق ولم تفرض على الكويت انما هي حدود تمت الموافقة عليها بين البلدين يوم الرابع من تشرين الأول عام 1963 . فالحدود ليست موضوع خلاف ويتضح من الوثيقة (22432/ S) التي عممت على المجلس حقيقة الاتفاق بين العراق والكويت على موضوع الحدود . كل ما نتناوله هو عملية ترسيم الحدود . اي إننا نتناول عملية فنية في صلب القرار ومن خلال ترسيم الحدود يمتحن مجلس الأمن صدقيه العراق واحترامه القوانين والمواثيق .
وإزاء هذا الوضع وضمن البيئة الدولية السائدة عند اعتماد القرار 687 / 1991 لم يعد إمام العراق من خيار الا الموافقة على القرار بما فيه القسم – أ – المتعلق بتخطيط الحدود . لان القرار المذكور صدر بموجب الفصل السابع ويتوقف على قبول العراق الاذعان له , وقف إطلاق النار .
وان ما ذكرناه من جوانب قانونية تتصل بمسألة الحدود ليست الا من قبل التذكير بآليات وظروف اعتماد القرار 687 / 1991 والقوى المؤثرة في صياغته وسد الثغرات القانونية التي اكتنفت الصياغة الأصلية , ما يؤكد ان قرارات مجلس الأمن تعد في مطبخ الدول الكبرى المؤثرة وتصدر باسم المجتمع الدولي الممثل بالأمم المتحدة .