تحولت الجزائر إلى ملاذ لكثير من التونسيين في الفترة الأخيرة، لتوفير حاجياتهم من مواد أساسية عديدة. ويقصد تونسيون، وخصوصاً من سكان الشريط الحدودي الغربي، الدولة الجارة، بحثاً عن مواد غذائية متحَدّين الموانع الجمركية والقانونية. وتعاني تونس من أزمة شح في الكثير من المواد الغذائية من بينها السكر والقهوة والحليب والشاي والطحين والدقيق. وصار العثور على كميات صغيرة من هذه المواد الهامة بالنسبة لغذاء التونسيين يشكّل مشقّة لأغلبهم، رغم تطمينات السلطات بحرصها على توفيرها في الأسواق. وفي محافظة سليانة شمال غرب تونس، تقصد إيناس التي تقطن في مدينة الكريب، الحدود القريبة للدولة الجارة لشراء ما يلزمها من حاجيات لا تعثر عليها بسهولة في الأسواق والمحال التونسية.وتقول إنّها تفعل هذا الأمر منذ سنوات، موضحةً لـ”النهار العربي” أنّ ذلك “بات أفضل الحلول في الوقت الحالي لتوفير ما يلزمني، كما أنّ الأمر لا يستغرق أكثر من يوم نقضيه في التبضّع والسياحة”. لا تأشيرة ولا رسومولا يتطلّب التنقل بين الدولتين الجارتين تأشيرة ولا رسوماً جمركية، إذ إنّ تونس تعفي مواطنيها من دفع رسوم تفرضها على السفر عندما تكون الوجهة إحدى دول المغرب العربي، وهو ما يشجّع حركة السفر والتنقل بين البلدين الجارين.
ولا تفصل الكثير من القرى والمدن التونسية الواقعة على مقربة من الحدود الجزائرية الاّ بضع ساعات من السفر. ويحفّز سعر البنزين المنخفض في الجزائر مقارنة بتونس، الكثير من التونسيين على السفر إلى الدولة الجارة، إذ يقوم أغلبهم بملء خزانات سياراتهم بسعر منخفض جداً. وبحسب أرقام وزارة الطاقة الجزائرية، فإنّ 30 في المئة من الوقود المهرّب يتجه نحو تونس، ويقلّ سعر الليتر الواحد من الوقود في الجزائر بثلاث مرات عن السعر في تونس، حيث يبلغ في الأولى 23 ديناراً جزائرياً (29 سنتاً)، وفي الثانية دولاراً واحداً. وتشتري ايناس التي عادةً ما تقصد الجزائر في سيارتها برفقة زوجها أو والدها، كل ما يلزم بيتها من مواد غذائية، وتقول: “أشتري من هناك كل ما يلزمني، المواد الغذائية متوافرة وبأثمان منخفضة مقارنة بتونس”. ولا تقتصر مشتريات ايناس على المواد الغذائية، إذ تغتنم الفرصة لشراء ما يلزم طفلها الرضيع من حليب وحفاضات، كما تشتري بعض لوازم البيت من مواد تنظيف أو أوانٍ أو حتى ملابس جاهزة. هرباً من الطوابيريقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ”النهار العربي”، إنّ أزمة المواد الغذائية التي تعيشها تونس حوّلت الجزائر إلى ملجأ لكثير من التونسيين، مؤكّداً أنّ تردّد سكان المناطق الحدودية الغربية على الدولة الجارة ارتفع بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. ويضيف أنّ تواصل شحّ المواد الغذائية في الأسواق التونسية رسّخ لدى التونسيين ثقافة الطوابير “حتّى أنّها صارت جزءاً من يومياتهم يخصّصون لها يومياً حيّزاً من وقتهم”، مؤكّداً أنّ “ذلك يؤرق العائلات خصوصاً اذا ما تعلّق الأمر بمواد يحتاجها الأطفال، لذلك فإنّ البحث عن البديل بأي شكل من الأشكال، دفع سكان هذه المدن إلى التوجّه غرباً”. ظاهرة قديمةلكن بن عمر يستدرك أنّ هذه الظاهرة ليست جديدة، فالعلاقة بين سكان المدن الحدودية التونسية – الجزائرية وطيدة والمبادلات بينهم قديمة، وكثيراً ما كانت التجارة البينية نشاطاً مهماً في تلك الربوع بل إنّها تكاد تكون النشاط الأبرز هناك. ويضيف أنّ الكثير من المحال في هذه المدن صار يعرض بشكل يكاد يكون حصرياً، سلعاً ذات منشأ جزائري، ويوضح أنّه “صار لافتاً للنظر أنّ أغلب محال المدن الواقعة على الحدود تعرض بضاعة جزائرية الصنع، بل حتى أنّ بعض المخابز صارت تستعمل الطحين الآتي من الجزائر”. لكنه يستدرك موضحاً أنّه في مقابل اعتماد سكان المدن الحدودية التونسية على السلع الجزائرية المفقودة في بلدهم، فإنّ سكان المدن الجزائرية أيضاً يعتمدون على مواد غذائية تونسية مثل الكسكسي والمعكرونة، وهي مواد كما يؤكّد مدعومة من الدولة التونسية وتعاني بدورها من صعوبات بسبب أزمة الحبوب. وبين الجزائر وتونس معابر كثيرة، بعضها رسمي وبعضها غير رسمي، يتنقل عبرها ملايين الأشخاص في الاتجاهين، فضلاً عن الكثير من السلع، وتُعتبر هذه المعابر “رئة حقيقية” للشعبين عموماً ولسكان المناطق الحدودية على وجه الخصوص، ومن أهمها أم الطبول وبوشبكة وحيدرة وحزوة وتمغزة وببوش وغار الدماء وملولة. مغامرة وتدخّل رئاسيولا يخلو التوجّه إلى الدولة الجارة من الصعوبات التي قد تعرّض صاحبها للتتبّع القضائي، بما في ذلك السجن، إذا تمّ حجز كميات كبيرة أو ممنوع نقلها إلى خارج البلاد بحسب القوانين الجزائرية. وتحوّل تعويل التونسيين على الدولة الجارة لتوفير حاجياتهم من المنتجات الغذائية إلى نشاط للبعض منهم رغم أنّ القوانين الجمركية تمنع ذلك. وفي بداية العام الجاري أصدر القضاء الجزائري أحكاماً بالسجن ضدّ سبعة تونسيين تمّ ضبط كميات من المواد الغذائية بحوزتهم، في حادثة أثارت ضجّة كبيرة حينها. وكثيراً ما تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر تفتيش مصالح الجمارك الجزائرية لسيارات تونسيين وحجز كميات من المواد الأساسية بداخلها، وعبّر عدد منهم عن امتعاضهم بسبب هذه المعاملة، ما استدعى تدخّل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أمر بعدم مضايقة التونسيين في المعابر، وفق ما نقل الإعلام المحلي.