سلطان البازعي
في حوار مع مجموعة من الأصدقاء حول مسلسل “العاصوف”، كنت أقول أن صناع المسلسل بالغوا كثيراً في تصوير شخصية “محسن الطيان”، ذلك أن الخبث لا يجتمع مع الغباء. فهذه الشخصية السلبية تغار من نجاح الآخرين بينما تعاني من الفشل الشامل، وفي المسلسل يستمر محسن الطيان بترديد عبارته البلهاء بأنه “محامي وفاهم وخريج قانون من القاهرة” بينما يخرج من مشروع فاشل إلى آخر أكثر فشلاً، ومع ذلك فإنه يغدر بشقيقه الناجح ويخونه ويسرق منه، وحينما ينكشف أمره يظل يكابر ويطالب أخاه بالاعتذار منه ويمثل دور الضحية دائماً في كبرياء زائف يعالج به إخفاقاته.
وكنت أقول أن مثل هذه الشخصية يصعب أن توجد في الواقع، فالشخصية الخبيثة تكون على درجة عالية من الذكاء في العادة، وتجيد الانحناء أمام العواصف و”تتمسكن حتى تتمكن”.
إلا أن مراقبة حالة القيادة السياسية في دولة قطر تثبت أن الواقع يمكن أن يكون أغرب من خيالات الدراما، وأن في قيادات الدول شخصيات يمكن أن تكون على درجة من التعقيد والانفصام بما يعجز عنه المحللون النفسانيون عدا عن المحللين السياسيين.
انظروا فقط إلى دراما حضور دولة قطر لـ”قمم مكة” الثلاث وما تلا هذا الحضور.
ربما لم يفاجئكم تراجع قطر عن بيانات القمتين العربية والخليجية، فالحقيقة أن المفاجأة لم تكن في التراجع وإنما كانت في الحضور بدءاً وبوفد “رفيع المستوى” إلى حد ما.
القطريون، وأنا أعني هنا وبوضوح الأمير الوالد والأمير الابن ورئيس الوزراء السابق والحالي وبقية الجوقة من الوزراء والمستشارين والإعلاميين، هؤلاء أثاروا ضجة قبل القمتين مدعين أنه لم توجه الدعوة لقطر “العظمى” لحضور “القمم الثلاث”، واشتكوا لطوب الأرض -كما يقول المثل المصري- من “عزل” قطر عن محيطها، ومن المؤامرة المحيطة بهم، ثم اضطروا مرغمين للإعلان أن الدعوات وصلت عبر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعبر الأمانتين العامتين لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وأن قطر ستشارك في “القمم الثلاث”.. وهنا تنفس العالم الصعداء.
ثم تتكشف الأمور الأكثر غرابة على التوالي.
بداية تكشف واشنطن أنها هي التي طلبت من الدوحة المشاركة في القمم “بإيجابية” ووقف التحريض عليها.
ثم يأتي من أنقرة خبر عدم مشاركة الأمير الشيخ تميم وأنه سيرسل وفداً يمثله، وهذا الخبر بثته وسائل الإعلام التركية قبل أن تبثه وسائل الإعلام القطرية.
وثالثة الغرائب أن الوفد أتى بالفعل برئاسة رئيس الوزراء، الذي حضر اللقاء مرتبكاً معزولاً صامتاً حتى ظن البعض أن قطر لم تحدث ضجة في المؤتمر مما قد يشير إلى تحول إيجابي في سياستها ومواقفها، ولكن حالما عاد الوفد صدر تصريح وزير الخارجية القطري يقول أن بلاده تتحفظ على بياني القمتين الخليجية والعربية لأسباب قال عنها: “لوجود بنود تتعارض مع سياسة الدوحة الخارجية”، ولأن “قمتي مكة تجاهلتا القضايا المهمة في المنطقة كقضية فلسطين والحرب في ليبيا واليمن، وكنا نتمنى أن تضع أسس الحوار لخفض التوتر مع إيران”. في ترديد مكشوف للموقف الإيراني من القمم، بل إنه حاول الترويج للعرض الإيراني المزعوم لمعاهدة عدم الاعتداء هذا العرض الذي لا يزيد عن كونه مناورة سياسية تهدف للتأثير على “قمم مكة”.
والحقيقة أن لا أحد يعرف أين ترسم سياسة الدوحة الخارجية التي يتحدث عنها الوزير القطري، فقرار المشاركة أتى من واشنطن، وخبر عدم مشاركة الأمير أتى من أنقرة، ثم أتى التحفظ على بياني القمتين بتأثير من طهران، حتى أن بعض المغردين ربطوا بين مشهد وزير الخارجية التركي وهو يكتب على هاتفه النقال ومشهد مغادرة الوفد القطري لقاعة القمة الإسلامية في سخرية قد لا تبتعد عن الواقع كثيراً.
والحقيقة أن مشهد المشاركة القطرية في “القمم” يدعو للرثاء، كما أن الكوميديا السوداء ستبدو في أكثر صورها ضحكاً مؤلماً لو أن مواجهة عسكرية وقعت بالفعل في المنطقة بين واشنطن وطهران. فقاذفات القنابل العملاقة تربض في الدوحة والجنود الأتراك والإيرانيون يحرسون قصور القادة القطريين.
أما إذا أردتم صورة شخصية “محسن الطيان” التي أداها ببراعة الفنان عبدالإله السناني في المسلسل فيكفيكم متابعة تصريحات وتغريدات عراب الانعزال والتآمر والخيانة القطري رئيس الوزراء الأسبق حمد بن جاسم.
قلوبنا معكم يا أهلنا في قطر.
* كاتب سعودي.