لم تألُ السلطنة جهدًا من أجل إنجاح سياسة التعمين، ولم تتوقف جهودها عن جعل القطاع الخاص قطاعًا إنتاجيًّا قويًّا وشريكًا أساسيًّا في مسيرة التنمية الشاملة والمستدامة التي جاءت من أجلها النهضة المباركة، ومن أجل ذلك أخذت الحكومة على عاتقها دعم القطاع الخاص وتشجيعه لكي يؤدي الدور المطلوب والمنتظر منه، شأنه في ذلك شأن بقية القطاعات الخاصة في جميع دول العالم دون استثناء، حيث نهضت حركة التقدم والتطور والإنتاج على أيدي شركات ومؤسسات القطاعات الخاصة، فحققت نقلة نوعية في مجالات التنمية والصناعة وجعلت من دولها قوة اقتصادية كبرى.
وتنظر السلطنة إلى تنظيم سوق العمل على أنه ضرورة وطنية لإنجاح سياسة التعمين، وتوفير المزيد من فرص العمل للعمانيين، وبالتالي ضمان حياة كريمة، وتحقيق استقرار وظيفي لهؤلاء في أعمالهم بمختلف مجالات القطاع الخاص، وكذلك التخفيف من ظاهرة تكدس سوق العمل بأعداد هائلة من الأيدي العاملة الوافدة، وخصوصًا الأيدي غير الماهرة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب بالنسبة لمهن ووظائف يحتاجها سوق العمل.
ومن المؤكد أنه لا يخلو قطاع من قطاعات العمل من تحديات، لذلك من البديهي أن يواجه القطاع الخاص بعض التحديات، لا سيما مع الأزمات الاقتصادية العالمية وما يصيب الاقتصاد العالمي من ركود وغير ذلك، فاليوم هناك الكثير من المؤسسات والشركات تعاني بحق من تراجع عائداتها وأرباحها جراء تفشي جائحة كورونا “كوفيد 19″ وتراجع أسعار النفط، إلا أن ذلك يجب أن لا يكون سببًا ومشجبًا تعلق عليه الإخفاقات أو العجز، وإنما ينبغي أن تتواصل الجهود على جميع المستويات لتدارك التحديات ومعالجتها، خصوصًا وأن بعض هذه التحديات هي تحديات وقتية، كما لا يجوز أن تكون هذه التحديات سببًا في تسريح العاملين الذين أسهموا في تطور الشركات والمؤسسات التي يعملون بها، وسببًا في فقدانهم لقمة العيش التي يكدحون من أجل توفيرها لأسرهم.
لذلك تنظيم العلاقة بين هذه الشركات والمؤسسات والعاملين بها بما يحقق العدالة ويكفل المصالح للجميع أمر مطلوب للاستمرار، وتأتي في هذا السياق نقاشات فريق عمل لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى حول مقترحه والمتمثل في مشروع تعديل قانون العمل العماني، وذلك من منطلق الدور الأساسي الذي يلعبه القانون في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وكونه قد صدر في العام 2003م فإن التحولات الكبيرة في سوق العمل العماني وتزايد المشاكل الفردية والجماعية الناجمة عن علاقات العمل بين العمال وأصحاب الأعمال خلال الفترات الماضية جعلت القانون لا يتواكب مع المرحلة الحالية، وجاءت رؤية لجنة الشباب ومن خلال خطة عملها للدور الحالي بضرورة مراجعة القانون بما يتواكب والتطورات الحاصلة، خصوصًا في ظل الثورات الصناعية، وذلك بناء على المادة (58) مكررًا (36) من النظام الأساسي للدولة والمادة (128) من اللائحة الداخلية للمجلس.
وناقش الفريق في اجتماعه الأسبوع الماضي العديد من المبررات التي دعت إلى اقتراح مشروع التعديل أهمها ضعف مواكبة القانون الحالي للسياسات والتحولات الكبيرة في سوق العمل، وظهور بعض الثغرات القانونية فيه والتي أدت إلى عدة مشكلات في سوق العمل مثل بروز ظاهرة تسريح العمال، والفصل التعسفي للعاملين بالقطاع الخاص، والإضرار بحقوق العاملين، إضافة إلى أن القانون الحالي لا يوفر الحماية الكاملة والأمان الوظيفي للعاملين في القطاع الخاص، كما أنه لا يوفر بيئة جاذبة للعمل في القطاع الخاص، خصوصًا في ظل تزايد أعداد الباحثين عن العمل.
إن ما ذهب إليه فريق عمل لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى من مبررات للاتجاه نحو تعديل قانون العمل يعكس واقعًا يعيشه الكثير من الأيدي العاملة الوطنية التي كان مصيرها التسريح أو تلك التي تنتظر، ما يؤكد الحاجة الحقيقية للمضي قدمًا في تغيير منظومة قوانين العمل بما يتواكب مع رؤية “عمان 2040″ التي مر بناء خططها وأهدافها عبر مراحل كانت إحدى مراحلها ـ وهي الأهم في تقديري ـ مرحلة إشراك الشباب في صياغتها من خلال الوقوف على أفكار الشباب ومقترحاتهم، فضلًا عن المشاركة المجتمعية في صياغتها وإعدادها، فالتطلعات كبيرة والآمال عالية لتكون هذه الرؤية من الشباب وإليهم، الأمر الذي سيعطيها الروح اللازمة لتنفيذها وتحقيق أهدافها. فهناك الكثير من السواعد العمانية الشابة تنتظر أن تؤدي دورها في ظل هذه الرؤية.
الأمر الآخر الذي يجب أن ينتبه إليه بعض المؤسسات والشركات بالقطاع الخاص هو أن نظام الأمان الوظيفي الذي صدر بشأنه المرسوم السلطاني السامي رقم (۸۲/۲۰۲۰) هو وسيلة للتخفيف من تبعات ظروف الحياة المعيشية الصعبة التي تواجه العمانيين المسرحين من أعمالهم، وليس وظيفة أو مصدر دخل ثابت، وعليه يجب أن لا ينظر إليه على أنه أداة مشجعة للإقدام على تسريح العمانيين، وهذا الأمر من المؤكد أن صانع القرار لم ولن يغفل عنه وقد أخذه في الاعتبار، من حيث أهمية إحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها الصحيح.
لذلك تنظيم العلاقة بين أطراف العمل والإنتاج وترتيبها بما يحفظ حقوق الجميع أمر تستدعيه مصلحة سوق العمل واستقراره، وهذا لن يتحقق إلا بتعديل قانون العمل.
شراع: تعديل قانون العمل أمر لا بد منه
التعليقات معطلة.