خميس بن حبيب التوبي
مَن يتابع اليوم أوضاع الوطن العربي ـ من خليجه إلى محيطه ـ يقف عِندَ نتيجة واحدة وهي أنَّه محكوم عليه بالتمزُّق والتفتُّت والتشرذُم، ويبدو أيضًا أنَّ هذه السِّبحة الَّتي تكرُّ حبَّاتها لن تقفَ عِندَ الحدود الَّتي وصلتْ إليها في الدول العربيَّة الَّتي باتتْ غارقةً في أتون التمزُّق والتشرذُم، والحروب الداخليَّة وتنازُع المصالح، وبَيْع الولاءات والذِّمم.
كان الفَهْمُ السَّائد بعد نكبة فلسطين أنَّها النَّكبة الأولى والأخيرة للعرب، ولن يسمحوا بأنْ يُعطوا الفرصة للأعداء لاستنساخها في قُطْرٍ عربي آخر، خصوصًا ما بعدما أبدى العرب موقفًا موحَّدًا من نكبة فلسطين، مباشِرِين إجراءاتهم ضدَّ العدوِّ الصهيوني وحلفائه من قَطعِ النِّفط وحروب الاستنزاف..إلخ. إلَّا أنَّ هذا الفَهْمَ لم يأخذْ في الحسبان تطوُّرات المستقبل، وإمكان أنْ تتبدلَ الشخوص والرموز وتتبدلَ معها القِيَم والمبادئ والتوجُّهات. ولعلَّ السَّبب في ذلك يَعُود إلى اليقين بأنَّ هذه القِيَم والمبادئ راسخةٌ لدى العربي لن تتبدلَ وتتغيَّرَ تجاه أخيه العربي، والَّذي مِن شِيَمِه النَّخوة والكرامة والعزَّة والشَّرف وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم.
هذا التَّغيير لم يكُنْ منشؤه مكائد أعداء هذه الأُمَّة فحسب، وإنَّما وجدَ بيئةً حاضنةً واستعدادات لتقبُّلِ الطَّارئ والخارج عن كُلِّ القِيَم والمبادئ والتَّقاليد والأعراف الإسلاميَّة، مكَّنتْ لهؤلاء الأعداء التَّغلغُل في مفاصل كُلِّ قُطْرٍ عربي؛ فأخذتْ مظاهر السِّيادة والقرار السِّياسي السِّيادي تنتقل رويدًا رويدًا إلى الأعداء الَّذين تمكَّنوا فيما بعد من تشكيل طُغَم (جمع طُغْمة) وظيفيَّة من رأس الهرم وحتَّى قاعدته، والَّتي مثَّلتْ مطايا أخذَ الأعداء يستنيخونها للعبور إلى الأقطار العربيَّة الَّتي ظلَّتْ على مبادئها وقِيَمها تُقاوِم تسونامي التَّغيير الجارف، والأمثلة على ذلك ظاهرة للعيان لا تحتاج إلى مَن يُدلِّل عليها، ولعلَّ ما يَحدُث فيها من دمار وخراب ومسيل للدماء ونهبٍ للثروات وانتهاكٍ للسِّيادة كافٍ على تأكيد ذلك.
وعليه، لم تَعُدْ نكبة فلسطين وحْدَها، وإنَّما نكبات تتناسل في مشارق الوطن العربي ومغاربه، وفي شماله وجنوبه، ولم يَعُدِ الصِّراع الوجودي حكرًا على شَعب فلسطين وأرضه وهُوِيَّته ولا على التَّهويد، والاحتلال لم يَعُدْ تهديدًا حقيقيًّا ووجوديًّا لفلسطين وحْدَها، بل تهديد وجودي للعرب جميعًا، مِنْهم مَن أتى عليه الدَّوْر ومِنْهم مَن ينتظر. والمُخزي أنَّ الرِّماح الصهيوـ أميركيَّة الَّتي تنحر أقطار العرب من الوريد إلى الوريد ليسَتْ وحْدَها، وإنَّما برعاية من الطُّغَم الوظيفيَّة.
لذلك كُلُّ هَمٍّ عربي، وكُلُّ نكبةٍ عربيَّة على موائد التَّباحث الغربي ليسَتْ سوى طرائد يتقاسمها أعداء الأُمَّة؛ لذا فإنَّ ما يبرز في الإعلام على الصَّعيد العربي لن يَعْدوَ عن كونه نوعًا من الهرطقة السياسيَّة ومتاجرة رخيصة على المصير والوجود والهويَّة. وعليه، كان الله في عَوْنِ الشُّعوب الَّتي أتَتْ عليها الرِّماح الصهيوـ أميركيَّة الغادرة المدعومة بطُغَم فاسدة لا تَرقُب إلًّا ولا ذِمَّةً، والَّتي (الشُّعوب) تُقاوِم من أجْلِ الحياة والأرض والعِرض والكرامة والشَّرف والهُوِيَّة، وكان الله في عون الشُّعوب الَّتي تقتربُ مِنْها تلك الرِّماح الغادرة.
خميس بن حبيب التوبي

