مقالات

شراع: دخول بريطانيا على خط الاستفزاز.. ماذا يعني؟

 
 
 
خميس التوبي
 
يبدو أن التصعيد الأميركي تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس له أفق محدد تنتهي معه لعبة الكراسي الموسيقية بين واشنطن وطهران، ذلك أن الولايات المتحدة بقدر ما يحركها شعور يتعاظم يومًا بعد يوم جراء العجز الواضح بأهمية الوصول إلى مساحة الأمان التي تسعى إليها مع حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي لتأمين بقاء هذا الاحتلال البشع جاثمًا على صدر المنطقة، بقدر ما تمثل اللعبة بحد ذاتها تسلية وتمثيلية للرئيس الأميركي دونالد ترامب يظهر فيها أمام المهووسين بالخطر الإيراني أنه البطل المخلص، الذي يبذل كل جهد ممكن ويستغل كل سانحة لرفع أنصبة حظوظه الانتخابية والفوز بولاية ثانية وذلك بمداعبة الناخب الأميركي برواج اقتصادي وتوفير فرص عمل لعشرات الآلاف الأميركيين العاطلين، وإظهار مزيد من الولاء لكيان الاحتلال الإسرائيلي بأنه الرئيس الأميركي الأوحد الذي استطاع تغيير قواعد اللعبة، والكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية، خصوصًا تلك المتعلقة بملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وبملف القضية الفلسطينية، وليؤكد للوبي الصهيوني أنه ليس هناك رئيس أميركي يمتلك الجراءة كما يمتلكها هو، فيجعل من أموال البترودولار غنائم تحرك تروس الاقتصاد الأميركي، ويتجاوز كل الخطوط الحمراء والمحرمات ويخرق القوانين والقرارات الدولية المتعلقة بوضع القدس واللاجئين الفلسطينيين، مع ما يرافق ذلك من تطبيع مجاني وخنوع وتبعية غير مسبوقة.
ولم يقتصر الظهور البطولي لترامب في هذه التمثيلية على تحقيق هدف اهتبال أموال البترودولار واغتنام خزائن شعوب المنطقة، بل تعدى ذلك إلى كسب رضا لوبيات السلاح والنفط، فمن خلال تمثيلية المواجهة للخطر الإيراني تمكنت شركات تصنيع الأسلحة من أخذ حصتها الوافرة عبر عقد صفقات بيع ضخمة وفرت لها الأموال اللازمة للاستمرار في أعمالها، ووفرت آلاف فرص العمل للأميركيين.
ليس خافيًا أن ثمة عجزًا واضحًا تواجهه الولايات المتحدة على الصعيد الإيراني، فقد كانت تعتقد أن بانسحابها من الاتفاق النووي الذي وقعت عليه بجانب القوى الدولية الكبرى مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستوفر لنفسها المساحة اللازمة للمناورة والضاغطة، في الوقت ذاته تتوازى مع المخطط الصهيو ـ أميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمسمى إعلاميًّا بـ”صفقة القرن”، حيث الاعتقاد الصهيو ـ أميركي بأن إيران ستحاول البحث عن نفسها في خضم المستجد الجديد المتمثل في الانسحاب من الاتفاق النووي وعودة العقوبات الاقتصادية الخانقة؛ أي سترفع الراية البيضاء مقدِّمةً التنازلات التي يطمع فيها كل من الصهيوني والأميركي. إلا أن صلابة الموقف الإيراني والخبرة السياسية العالية التي تمتلكها طهران في إدارة ملفاتها الساخنة مع المجتمع الدولي وتحديدًا مع القوى الكبرى أعطياها القدرة على المواجهة والتحدي، وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام ما تستشعره من ظلم وتضييق عليها ليس لديها ما تخسره، ولعل ما يؤكد ذلك إسقاط طائرة الدرون من طراز “تريتون إم كيو-4 سي” التابعة للبحرية الأميركية بصاروخ أرض جو، مع ما صاحب هذا الإسقاط من رسائل كثيرة أعلاها استعداد إيران للحرب إن فرضت عليها، وأنها باتت تمتلك من القوة العسكرية ما يمكنها من إيقاع الألم لكل من يعتدي عليها، حيث أشارت المعلومات المتوافرة عن الطائرة والمتداولة إعلاميًّا إلى الإمكانات العسكرية والتقنية الهائلة التي تمتلكها الطائرة، وأنها تمثل درة تاج الصناعة الأميركية في هذا المجال، ما يعني أن نجاح طهران في إسقاطها تسقط معه خطط الحرب الأميركية التقليدية أو الصاروخية ضد إيران، وبالتالي لم يعد أمام أميركا سوى استخدام الأسلحة النووية.
لذلك، وأمام الشعور بالعجز والامتعاض من النشاط الإيراني السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة والعالم، ودعم فصائل المقاومة في كل من فلسطين ولبنان، وعدم القدرة على وضع حد له، تحاول الولايات المتحدة الاستعانة ببريطانيا وإشراكها في المواجهة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فلم يأتِ احتجاز لندن لناقلة النفط الإيرانية العملاقة في مستعمرة جبل طارق مصادفة، وإنما من خلال طلب وتنسيق أميركيين، حيث من الواضح أن واشنطن تعمل على جر لندن إلى أتون المواجهة، مستغلة الفراغ السياسي ومحاولة المتنافسين على خلافة تيريزا ماي في منصب رئيس الوزراء وأبرزهم بوريس جونسون كسب ود الولايات المتحدة ودعمها من أجل الفوز بالمنصب. كما يبدو أيضًا أن واشنطن تحاول أن تستفيد من الخبث البريطاني بمضاعفة جرعة الاستفزاز الموجه لطهران لإجبار الأخيرة على خطوات رد فعل تعطي المبررات المطلوبة بتدويل مضيق هرمز وتشكيل قوة دولية لعسكرة الخليج والمنطقة.
من المؤكد أن بريطانيا تدرك حجم كلفة التبعية للإرادة الأميركية، وأن استنساخ غزو العراق ليس بمقدورها، لذا من المحتمل أن تشارك بريطانيا الولايات المتحدة في اختلاق مزاعم ووسائل ضاغطة على طهران في أكثر من ملف. لكن في تقديري لن يكون لهذه الوسائل مفعول تجاه صلابة سياسية وعسكرية إيرانية، كما لن تمر على طهران جميع محاولات الابتزاز الأميركي المتبعة تجاه غيرها من العواصم في المنطقة، وإذا كانت الولايات المتحدة ومن معها تظن أنها قد تمكنت من القبض على اليد التي توجع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي الاقتصاد والحصار، فإن الأخيرة هي الأخرى باتت تقبض تقريبًا على اليد التي توجع أميركا وهي كيان الاحتلال الإسرائيلي، من خلال الرسائل التي أطلقها أمين عام المقاومة اللبنانية حسن نصر الله وتأكيده امتلاك الصواريخ الدقيقة والفعالة القادرة على تدمير البنية التحتية للكيان الغاصب، والسيطرة على الجليل، بالإضافة إلى بنوك الأهداف المعدة للمواجهة المنتظرة.