مقالات

شراع : سوريا.. أطماع في الجنوب والشمال تسابق الزمن

 
 
خميس التوبي
 
يبدو أن معسكر التآمر والعدوان على سوريا بدأ يشعر بأنه في وضع ليس مريحًا، بل ربما بات مقتنعًا بأن عليه أن يخلع آخر وتد في خيمة مخططه الإرهابي التدميري ليزول عن أرض سوريا وعن صدر الشعب السوري، فما يشي بذلك التحركات التي طفت على سطح الأحداث هذه الفترة من إعلان كيان الاحتلال الإسرائيلي عن سعيه بالتعاون مع حلفائه الاستراتيجيين والعملاء في المنطقة إلى ضم الجولان السوري المحتل، ثم الإعلان عن عمليات عسكرية شرق الفرات بزعم محاربة الميليشيات الانفصالية الكردية التي لم تتورع عن التباهي بعمالتها وتبعيتها لسيدها الأميركي، ومضيها نحو تحقيق أحلامه التدميرية والاستعمارية على حساب وحدة التراب السوري وسيادته وطهارته، وعلى حساب وحدة الشعب السوري وتماسكه وكرامته وكبريائه واستقراره وأمنه وطمأنينته، فراحت ـ تسوقها إلى ذلك نزعات الانفصال وأحلام اليقظة بإمكان إقامة الكيان الكردي الممتد من العراق إلى تركيا حتى سوريا ـ تمهد الأرض والبيئة السكانية والاجتماعية بالقضاء على الوجود العربي، وإقصاء الأسر العربية وتهجيرها ـ لتكون ملاذًا للاستعمار الأطلسي الجديد بقيادة الولايات المتحدة، وترسيخ أقدامه في أرض سوريا، ونسيت أو تناست أنها بفعلها المشين هذا إنما تقود إلى حتفها بظلفها، ونسيت وتناست أن التجارب السابقة في العراق وليبيا لا تزال تسلط الضوء، بل ستستمر في تسليط الضوء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، على مزابل التاريخ التي امتلأت برموز الخيانة العظمى لأوطانها، وكذلك ستواصل إبراز شهادات الندم ولوم النفس وعض الأصابع على الانقياد وراء رموز الخيانة هذه، وعلى التفريط في الأوطان لصالح مستعمرين وقطاع طرق لا يرقبون في شعوبها إلًّا ولا ذمة.
يعلم معشر المتآمرين على سوريا أن مساحة تبرير التدخل في الشأن الداخلي السوري، والبقاء على الأرض السورية تضيق عليهم كل يوم يحقق فيه الجيش العربي السوري وحلفاؤه إنجازًا على صعيد إحباط المخطط الإرهابي التآمري، موجِّهًا الضربات الموجعة الواحدة تلو الأخرى إلى حلقات المخطط. فما تبقى من فلول الإرهاب بالنظر إلى الجغرافيا ـ التي بات الجيش العربي السوري يحكم فيها سيطرته ـ ما هو إلا مجرد ذيول، وبالتالي فإن فسحة الأمل التي صيغت فيها جميع الأهداف والأجندات الاستعمارية والتدميرية والتخريبية تضيق هي الأخرى على واضعي المخطط الإرهابي وأهدافه.
لذلك، ومع هذا اليقين، يسابق معشر المتآمرين الزمن حتى لا يجدوا أنفسهم خارج سياقه، فيرتد عليهم عبثهم وتآمرهم حسرة ووبالًا وانكسارًا وذلًّا، ويتحول ما صنعوه من تنظيمات إرهابية تكفيرية ظلامية وشراذم خيانية متواطئة عبئًا إضافيًّا ليس في مقدورهم تحمله أو السيطرة عليه. فالمساعي التي بدأها كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ فترة لضم الجولان السوري المحتل، صحيح أنها كانت جزءًا أساسيًّا وأصيلًا من المخطط الإرهابي ضد سوريا، حيث الهدف الكبير هو تدمير سوريا وتقسيمها إلى كيانات طائفية متناحرة، لاستيلاء الكيان الإسرائيلي المحتل على كل الجولان السوري، وإحكام السيطرة على ما فيها من ثروات زراعية ونفطية ومائية، فضلًا عن الموقع الاستراتيجي للجولان نفسه، وتفكيك محور المقاومة وتقطيع تواصله الجغرافي، وعزل المقاومة اللبنانية، إلا أن المساعي الإسرائيلية الحثيثة والاستناد إلى الحليف الأميركي لضم الجولان السوري بقدر ما تعكس المكانة الاستراتيجية للمنطقة والطمع الإسرائيلي بها، وتعكس في الوقت ذاته القلق الإسرائيلي بقدر ما تؤكد أن تحولات الميدان ليست في صالح معسكر التآمر والإرهاب، وأن سوريا تواصل استعادة عافيتها واستكمال نصرها على المخطط الإرهابي، وأنه من الوارد أن تفتح جبهة الجولان في أي لحظة، بل في أقرب وقت، خصوصًا وأن التقارير الإسرائيلية ـ بغض النظر عن ماهيتها ـ تؤكد بين الفينة والأخرى تنامي قوة المقاومة السورية واللبنانية وتحضيراتها في الجنوب السوري، في تكرار مشابه لسيناريو جنوب لبنان. فالعدو الإسرائيلي يدرك يقينًا ما تعنيه خسارته لمنطقة الجولان السوري المحتل، والتحول النوعي والاستراتيجي لمحور المقاومة، حيث ستمثل هذه المنطقة إضافة نوعية والخاصرة الرخوة التي يمكن من خلالها إحكام القبضة من الجنوبين اللبناني والسوري، واللذين سيشكلان نقطة انطلاق للمقاومة، ناهيك عن حالة الشلل للقدرات العسكرية الإسرائيلية وفي مقدمتها سلاح الطيران الحربي.
أما ما يدور في الشمال السوري وتحديدًا شرق الفرات فهو لا يختلف عن المساعي الإسرائيلية في الجنوب بحكم وحدة الأهداف والمشروعات الاستعمارية لمعشر المتآمرين، حيث الرغبة في تثبيت ركائز الاستعمار والوجود الأجنبي، وقضم أجزاء من سوريا تمهيدًا لتمرير مخطط التقسيم، والاستيلاء على المزيد من الأراضي السورية، فما يبدو للعلن على أنه خلاف بين الأميركي والتركي في شمال سوريا وشرق الفرات هو خلاف غير حقيقي لحاجة الاثنين إلى بعضهما بعضًا، ولأن أحدهما يكمل الآخر، فالتركي لا يريد للأميركي أن يخرج من أرض سوريا حتى لا يبقى وحيدًا وتنتهي مع ذلك مبررات بقائه، بل يتطلع من الأميركي أن يشابه في الدور ما فعله المستعمر الفرنسي باقتطاع لواء الأسكندرون من سوريا وتسليمه لتركيا، باقتطاع عفرين ومنبج وإدلب وربما الرقة وأجزاء من حلب وضمها إلى تركيا. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأميركي الذي يرى أن وضعه غير الشرعي يتعزز بالوجود التركي غير الشرعي. والعملية العسكرية التي أعلن التركي عن عزمه شنها في شرق الفرات بزعم ملاحقة الميليشيات الكردية كفيلة بإظهار حجم الاتفاق على الأهداف الاستعمارية والتخريبية والتدميرية في سوريا، ومدى التنافس بين قوى محور التآمر والعدوان على النهب ومحاولة استقطاع أراضٍ سورية واستعمارها، وكشف حقيقة أن تنظيمات ما يسمى “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها، والميليشيات الكردية الانفصالية ما هي سوى مطايا تستناخ للعبور، وأدوات ووسائل لتمرير مخطط الإرهاب والتدمير ضد سوريا وإنجاز أهدافه.