خميس التوبي
لم تتوقف موانئ السلطنة عن تقديم ذاتها على أنها الرئة السليمة التي يتنفس بها اقتصادنا الوطني، وتسجيل شهادة براءتها ومكانتها وحيويتها محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ولم تتوقف يومًا عن منحنا مزيدًا من بواعث الأمل في رؤية هذه الموانئ وهي تسهم بقدر كبير جدًّا في حركة البضائع وقيادة قاطرة التقدم الاقتصادي، وإعطاء القيمة المضافة في الناتج المحلي، يتعزز بها اقتصادنا الوطني وينمو.
وحين حرصت السلطنة على إقامة هذه الموانئ ليس من أجل تزيين سواحلها الطويلة، وإنما بناء على رؤية متبصرة ومستشرفة لآفاق المستقبل الاقتصادي، واستغلال ما حباه الله بلادنا من موقع جغرافي فريد يتوسط طرق التجارة العالمية بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، واستثمار هذه النعمة ـ نعمة الموقع ـ أحسن استثمار بما يعود بالنفع والخير على السلطنة واقتصادها، وعلى تنميتها الشاملة، وبما ينعكس رخاء على أبنائها الأوفياء، الأمر الذي جعل الأنظار تتجه إلى هذا الموقع، مدركةً حقيقة مهمة وهي أن من بين المجالات المفضية إلى صناعة مستقبل اقتصادي، الاستثمار في الموانئ العمانية، لما تمثله من ضمانة كبيرة لهذا الاستثمار، سواء من حيث حيوية الموقع وبُعده عن الصراعات الدولية، أو من حيث ما تتمتع به السلطنة من استقرار سياسي وأمني، وبما تمتلكه من رصيد حضاري وتاريخي وإنساني وتجاري، وبما سنَّته من منظومة قوانين داعمة للاستثمار وحامية له في الوقت ذاته؛ كل هذه الميزات والإمكانات تعطي السلطنة حق التفضيل وحسن الاختيار من قبل الراغبين في الاستثمار في موانئها، حيث تلعب المناطق الحرة بها دورًا حيويًّا وكبيرًا وملموسًا.
السلطنة وفي خضم جائحة كورونا “كوفيد 19″ وما نتج عنها من كوارث اقتصادية واجتماعية على مستوى العالم، تقف اليوم على صواب رؤيتها بإقامة الموانئ على سواحلها (ميناء صحار، ميناء صلالة، ميناء الدقم، ميناء خصب، ميناء صور، ميناء شناص، ميناء السويق، وقبل ذلك ميناء السلطان قابوس)، وتقدر تلك الحكمة المتفردة والمتجلية في شخص المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس ـ رحمه الله وطيب ثراه ـ وقدرته ـ غفر الله له ـ على قراءة الواقع واستشراف آفاق المستقبل، واستناده إلى التاريخ العماني البحري وما سجله من نجاحات وانتصارات، وما صنعه من امبراطورية عمانية، وأهمية التمسك بهذا التاريخ بإعادة الدور والألق للموقع الاستراتيجي للسلطنة، وضرورة توظيفه لاستباب الأمن والسلام الداخلي والدولي، وتوظيفه في خدمة التنمية الشاملة والمستدامة، ودعم الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل.
وما يزيد هذه الحقيقة وضوحًا ـ وحسب النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات ـ هو أن موانئ السلطنة البحرية أسهمت خلال العام الماضي 2019 في استقبال 1ر76 بالمئة من إجمالي كمية الواردات السلعية المسجلة عبر المنافذ الجمركية، وسجلت نموًّا بلغ 9ر17 بالمئة مقارنة بعام 2018 الذي سجل إسهامًا بلغ 7ر69 بالمئة لتلك الموانئ في استقبال كميات الواردات السلعية، حيث بلغت كمية الواردات السلعية التي استقبلتها المنافذ الجمركية البحرية في موانئ السلطان قابوس، خصب، صلالة، شناص، صحم، صحار، مجيس، صور، الدقم، البيعة والسويق خلال عام 2019 25 مليونًا و213 ألفًا و400 طن مقارنة بكمية بلغت 21 مليونًا و383 ألفًا و400 طن خلال عام 2018، وبلغت قيمة تلك الواردات السلعية خلال العام الماضي 5 مليارات و39 مليونًا و400 ألف ريال عماني، مقارنة بـ5 مليارات و478 مليونًا و900 ألف ريال عماني.
في تقديري أنه لولا جائحة كورونا “كوفيد 19″ والأسباب التي يعلمها الجميع التي سبقت هذه الجائحة، لكنا اليوم أمام أرقام أكبر وميزات تنافسية، وقيمة مضافة حقيقية تسجلها موانئ السلطنة، وإن كانت هناك أيادٍ خفية أو أسباب غير مفهومة وغير معلومة عملت على إخراج هذه الموانئ عن دورها الذي أنشئت من أجله، وإخضاعها لمساومات أو لمصالح خاصة، أو محاولة تعطيلها أو تحجيم دورها الوطني المنشود، وتجريد بعضها من مكانتها وأهميتها ودورها الاقتصادي الكبير الذي لعبته طوال سنوات النهضة المباركة، وتحويلها إلى موانئ سياحية، فإن الثقة عالية والأمل كبير في القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ والانتقال بعمان التي يريدها جلالته ـ أيده الله ـ لنا والتي نريد ونطمح إليها نحن، بأن تجدد نهضتها الشامخة، وتعزز منعتها وقوتها وحصانتها ودورها، وتستفيد من موقعها وموانئها وثرواتها المعدنية والسمكية والحيوانية والتراثية والسياحية الاستفادة القصوى، حيث الهدر والتلاعب ممنوعان، والنزاهة والمساءلة والمحاسبة مطلوبة ولازمة من لوازم النجاح في تمتين التنمية الشاملة والمستدامة وبناء عمان التي نحبها جميعًا، فعصر الاعتماد على النفط مصدرًا واحدًا قد ولَّى، وجاء عصر التنويع الاقتصادي وتعدد مصادر الدخل.. وفق الله قيادتنا الحكيمة ونسأله أن يحيطها بمزيد من التمكين والرفعة والنجاح.