المواقف لا تزال متباعدة بين إسرائيل و”حماس” في شأن صفقة جديدة تتضمن إطلاق الأسرى ووقف القتال
جندي إسرائيلي يجهز قذائف الموتر قرب الحدود مع قطاع غزة، الإثنين 22 يناير الحالي (رويترز)
عكست المشاهد في الكنيست الإسرائيلي، الإثنين، عندما اقتحم العشرات من أهالي عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، المعتصمين في القدس، اجتماعاً للجنة المالية في الكنيست، حالة الفوضى والانقسام التي تُظهر إسرائيل في أضعف مراحلها وهي عاجزة عن إعادة أسراها من القطاع بعد مئة وثمانية أيام، قُتل خلالها ستة وعشرون منهم بنيران الجيش الإسرائيلي، أثناء محاولات إنقاذهم بعمليات عسكرية فاشلة، لا بل أدت إلى مقتل جنود شاركوا في العمليات.
وجاءت هذه الخطوة بالتزامن مع تحركات أحزاب المعارضة لحل الحكومة الإسرائيلية وإجراء انتخابات مبكرة، من خلال اقتراح حجب الثقة، قدمه “حزب العمل” للتصويت في الكنيست بسبب الفشل في إعادة الأسرى من غزة، لكن أكثرية 61 عضواً في الكنيست من اليمين مقابل 18 عضواً آخرين ممن حضروا الجلسة، أفشلته ما دفع بزعيم المعارضة، يائير لبيد، إلى التوجه إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بدعوة إلى تحديد موعد للانتخابات المبكرة.
هذه التحركات جاءت بعدما أعلن نتنياهو رفضه صفقة الأسرى المطروحة والتي بموجبها يعود جميع الأسرى من غزة على مدار تسعين يوماً، وفي محاولة منه لتخفيف حدة الغضب ومعارضته الجماهيرية استدعى أهالي عائلات الأسرى للاجتماع معه وطرح مواقفه أمامهم معلناً أن إسرائيل تسعى إلى بلورة اقتراح لصفقة أسرى تضمن عودتهم خلال فترة قصيرة وتعزيز أمن الحدود الإسرائيلية وسكان الجنوب لإعادتهم إلى بيوتهم.
إسرائيل تبلور صفقة بديلة
التحركات الإسرائيلية، منذ صباح الإثنين، جاءت بعد نقاش مطول وعبر مختلف المناصب وفي المؤسسات الرسمية لاقتراح صفقة الأسرى التي أُعلن في إسرائيل أن الولايات المتحدة ومصر وقطر تناقشها في محاولة للتوصل إلى اتفاق.
وأعلن نتنياهو في حديث له مساء الأحد، موقف إسرائيل الرافض للصفقة معتبراً أن “الموافقة عليها تعني مقتل الجنود الذين يدافعون عن أمن إسرائيل عبثاً”. وقال إن “حماس تطلب مقابل الإفراج عن مخطوفينا إنهاء الحرب وإخراج قواتنا من غزة والإفراج عن جميع الأسرى بمن فيهم النخبة من حماس الذين نفذوا السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، مقابل إبقاء حركة حماس على وضعها الحالي، وإذا وافقنا على ذلك لا يمكن ضمان أمن مواطنينا ولا إعادة المبعدين عن بيوتهم فيما سيكون السابع من أكتوبر المقبل فقط مسألة وقت وأنا غير مستعد لقبول مثل هذا المس الخطير بأمن إسرائيل”.
وذكرت مصادر أن الصفقة ستُنفَذ خلال ثلاثة أشهر عبر ثلاث مراحل، في الأولى منها يُعلن عن وقف القتال لزمن غير محدد والإفراج عن الأسرى في غزة مقابل الإفراج عن مئات الأسرى الأمنيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. كما ينفذ الجيش الإسرائيلي انسحابات من مدن في القطاع ووقف تحليق الطائرات المسيرة في سماء غزة لجمع معلومات. أما المرحلة الثانية فتشمل الإفراج عن المجندات الاسرائيليات وجثث أسرى مقابل الإفراج عن عدد آخر من الأسرى الفلسطينيين، أما في المرحلة الثالثة فيتم الافراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى وانسحاب آخر للجيش من القطاع.
هذه الصفقة لم يرفضها نتنياهو، فحسب، بل أيضاً جهات عدة تترجم بنودها بإنهاء حرب غزة وإبقاء حركة حماس كما كانت قبل السابع من أكتوبر، بل تعزيز قدراتها. ويقول عقيد احتياط، ألون أفيتار إن “الشروط التي تضعها حماس تقضي بتفريغ السجون الإسرائيلية من جميع الأسرى بمن فيهم أسرى السابع من أكتوبر وهم النخبة في حماس. إلى جانب هذا تطلب الحركة وقفاً لإطلاق النار وانسحاب الجيش من غزة، هذه المطالب تجعل البعد بين شروط إسرائيل وحماس واسعاً جداً والفجوات كبيرة، ما يعني أن توقعات التوصل إلى اتفاق قريب ضئيلة جداً، في وقت تسهم شروط حماس وتعنتها في زيادة ضغط عائلات الأسرى واحتجاجاتها لأنها على قناعة بما يراه كثيرون بأنه من الصعب تحقيق هدفي الحرب، القضاء على حماس وقدراتها العسكرية وأيضاً إعادة الأسرى في آن واحد”.
واعتبر أن “ارتفاع سقف مطالب حماس، هي واحدة من سلسلة خطوات تعرقل تأخير تنفيذ الصفقة، وتحمل عائلات الأسرى والمعارضة مسؤوليتها لنتنياهو، لتعنته طوال الفترة الماضية منذ الافراج عن آخر مجموعة من الإسرائيليين”.
وأكد نتنياهو في لقائه مع أهالي الأسرى على بذل جهود إسرائيلية لبلورة صفقة أسرى. ونُقل عن مسؤول إسرائيلي مُطّلع على التطورات أن الجهود الإسرائيلية المبذولة لصفقة الأسرى لا تشمل في نهايتها أي التزام مسبق بوقف العمليات في غزة. وبحسب المسؤول فإن الخطة التي تدفع بها إسرائيل ستنفذ على مراحل، “المرحلة الأولى منها ستكون إنسانية. وفي المقابل سنطلق سراح السجناء الأمنيين بسخاء وسنوافق أيضاً على أيام هدنة ومساعدات مالية وتحركات أخرى في الميدان”. وأشار المسؤول ذاته إلى أن “إسرائيل ستعمل في موازاة ذلك على تهيئة الظروف الداخلية، إذ إنه بعد هذه المرحلة من الممكن جداً أن تسمح بالالتزام بشروط الحرب، بحيث لا تكون هناك مشكلة في وقفها والانتقال إلى مرحلة جديدة”.
تغيير قواعد اللعبة الداخلية
من جهة أخرى، وخلال عرض اقتراح حجب الثقة عن الحكومة حمّلت عضو الكنيست عن حزب العمل، أفرات رايتن، الحكومة الإسرائيلية ورئيسها “مسؤولية المماطلة في إعادة الأسرى جراء السياسة التي تتبعها الحكومة بإلقاء اللوم على عائلات الأسرى في غزة واتهامها بعدم تحمل المسؤولية القومية”. وقالت “لا يمكنكم التنصل من المسؤولية، أنتم تضيعون الفرصة تلو الأخرى لإعادة المخطوفين الإسرائيليين إلى بيوتهم”.
أما زعيم المعارضة يائير لبيد، وبعد فشل اقتراح حجب الثقة، فنشر على منصة “إكس” دعوة لرئيس الحكومة لتقريب موعد الانتخابات، وكتب “لدي اقتراح لبنيامين نتنياهو: دعنا نجلس، أنت وأنا، رئيس الحكومة وزعيم المعارضة، ونحدد موعداً للانتخابات، ففي كل الأحوال ستكون إسرائيل أمام وضع تشهد فيه انتخابات مبكرة سواء بإسقاط الحكومة عبر نزع الثقة عنها أو تجنيد غالبية للتصويت لحل الكنيست. دعنا نجلس ونحدد قواعد اللعبة وكيفية إدارتها حتى لا تضر بالمجهود الحربي”.
وبرأي لبيد أن مثل هذه الخطوات قد تستغرق شهراً أو اثنين ولكن في نهاية المطاف ستصل إلى انتخابات مبكرة. وقال “إسرائيل بحاجة إلى التغيير والأفضل أن نقدم على هذه الخطوة من دون تمزيق الشعب”.
في المقابل، لم يرد نتنياهو على لبيد لكن قادة الائتلاف الحكومي ردوا برفض أي خطوة تقضي بإجراء انتخابات مبكرة في ظل الحرب. كما رفض رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان (معارض)، تقريب موعد الانتخابات، لكنه في الوقت ذاته دعا نتنياهو لتقديم استقالته.
وفي تبريره لرفض إجراء انتخابات مبكرة، اعتبر ليبرمان أن إجراءها خلال الحرب “مساهمة في ضعف إسرائيل”. وقال “خلال الحرب إسرائيل بحاجة إلى الوحدة، والانتخابات بحد ذاتها تكرس الخلافات”. كما رأى “صعوبة تقنية في إجرائها خصوصاً في ظل وجود قوات كبيرة من الجيش داخل أرض غزة، وبالتالي لا يمكنها مغادرتها للإدلاء بصوتها كذلك الأمر بالنسبة للقوات التي تنتشر على طول الحدود مع لبنان وفي منطقة واسعة في الشمال، هذا إلى جانب أكثر من مئة وستين ألف إسرائيلي من الجنوب والشمال خارج بيوتهم المحاذية للحدود الجنوبية والشمالية”.