شركات الطاقة والشحن تصارع تداعيات الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر

1

مسلح يمني.

لتجنب المرور عبر البحر الأحمر، انطلقت الناقلة العملاقة “غراند بونانزا” في وقت مبكر من هذا الشهر في رحلة مدتها 40 يوماً تقريباً تحمل 1.8 مليون برميل من خام أبوظبي لحساب شركة “توتال إنرجيز” من الإمارات مروراً حول أفريقيا من أجل الوصول إلى فرنسا.
وسيطول زمن الرحلة أسبوعين على الأقل مقارنةً بالمسار المعتاد عبر قناة السويس وبتكلفة تزيد نحو 80 في المئة لتصل إلى حوالي 5.7 مليون دولار وفقاً لتقديرات مصدر ملاحي وبيانات من مجموعة بورصات لندن وشركة “كبلر” لتحليل البيانات .
ويوضح استئجار شركة النفط الفرنسية العملاقة للناقلة “غراند بونانزا” مدى تأثير هجمات الحوثيين في اليمن ضد حركة الشحن في البحر الأحمر على ارتفاع التكاليف وعرقلة تجارة النفط عالمياً.
كما أن تعرض ناقلة وقود مستأجرة من شركة “ترافيغورا” لقصف صاروخي يوم الجمعة الماضي سلط الضوء بشكل أكبر على المخاطر القائمة.
ويأخذ منتجو وتجار الطاقة في الاعتبار الأسعار المرتفعة للرحلات الأطول حول رأس الرجاء الصالح ويلجأون إلى ناقلات النفط الخام الأكبر لإدارة التكاليف والمخاطر، في حين يطالب المشترون بخصومات للتعويض عن ارتفاع أقساط الشحن وأقساط التأمين ضد مخاطر الحرب.
وتقوم شركات الشحن بتعديل الطرق التي تسلكها ونقاط التزود بالوقود وتسريع سرعات الإبحار مما يستهلك المزيد من الوقود ويزيد من الانبعاثات.
وقال ستيفانو غراسو مدير المحافظ لدى (8 فانت إيدغ) في سنغافورة: “ما لم تهدأ الاضطرابات في البحر الأحمر سريعاً، فسنرى زيادة ملحوظة في تكلفة تسليم النفط الخام”.
وذكر تجار أن شركات التكرير الأوروبية تضررت من زيادة أوقات الشحن التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف خاماتها، لكن هوامش أرباحها تبقى مدعومة بانخفاض واردات المنتجات المنافسة من الشرق الأوسط والهند.
وأضافوا أن طول مدة الرحلات أدى إلى تقليص عدد الناقلات المتاحة مما أثر على شحنات النفتا من أوروبا إلى آسيا والديزل من الشرق إلى أوروبا.
وقال محللو “غولدمان ساكس” في مذكرة بتاريخ 29 كانون الثاني (يناير)، إنَّ “الارتفاع الأخير في أسعار الشحن النظيف يعزز أسعار المنتجات المكررة في المناطق المستوردة الصافية، بما في ذلك الديزل في أوروبا، والنفتا وزيت الوقود في آسيا، والبنزين في الولايات المتحدة”.
وقال موكيش سهديف رئيس وحدة تجارة النفط في شركة “ريستاد إنرجي” الاستشارية، إنَّ مصافي التكرير الأميركية تستفيد لأنها تستطيع إرسال منتجات الوقود إلى أوروبا لتحل محل الإمدادات من الشرق الأوسط، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة مع الغاز الطبيعي، لتحل محل الإمدادات الروسية بعد غزو موسكو لأوكرانيا.
وأضاف: “الهجمات الأخيرة في البحر الأحمر تُشكل تهديداً لواردات المنتجات المكررة في الاتحاد الأوروبي وفرصة لنظام التكرير الأميركي لسد الفجوة مرة أخرى”. 

انقسام بين الشرق والغربقال تجار إنَّه بالنسبة لشركات التكرير الأوروبية التي تشتري نفط البصرة العراقي، فإن ارتفاع تكاليف الاستيراد يضعف الطلب في الربع الأول.
وارتفعت تكاليف استئجار سفينة “سويزماكس” بسعة مليون برميل لإرسال النفط العراقي إلى مصافي البحر المتوسط بين 2.50 إلى 3.50 دولار للبرميل، في حين زاد التأمين ثلاثة أمثال تقريباً إلى ما بين 10 سنتات و15 سنتاً للبرميل، وفقاً لمتداول مع شركة تكرير أوروبية.
كما انخفضت أحجام النفط الخام العراقي المتجه إلى أوروبا أيضاً لأنه في السوق الآجلة حالياً، إذ تكون أسعار النفط على المدى القريب أعلى من أسعارها في الأشهر المقبلة، وتفقد الشحنات قيمتها خلال العشرين يوماً الإضافية التي تقضيها السفينة في البحر.
وفي المقابل، يعرض بائعو خام مزيج اتحاد خط أنابيب قزوين الكازاخستاني إلى آسيا الشحن عبر ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً حول أفريقيا بدلاً من ناقلات “سويزماكس” الأصغر للاستفادة من وفورات الحجم، على حد قول التجار، إلا أنه لم تبرم أي صفقات حتى الآن للشحنات للتسليم في أيار (مايو).
لكن من معوقات اللجوء لهذه الناقلات العملاقة التي يمكنها حمل ما يصل إلى مليوني برميل هو أن حجمها لا يسمح بالرسو في ميناء نوفوروسيسك الروسي حيث يتم تصدير مزيج اتحاد خط أنابيب قزوين مما يعني أنه يجب نقل الشحنات من ناقلات أصغر إلى ناقلات النفط الخام العملاقة مما سيؤدي إلى تكاليف إضافية.
وقال شخص مشارك في الاتجار بنفط اتحاد خط أنابيب قزوين: “أستطيع أن أرى السوق يحدث انقساما واضحاً بين الشرق والغرب. البصرة تبقى شرقاً، وشركة خط أنابيب قزوين تبقى غرباً”. 

تأثير مضاعففي الوقت نفسه، قال مصدر ملاحي إنَّ “توتال إنرجيز” استأجرت مؤقتاً ناقلة النفط العملاقة أمفيون لتحميل الخام من الفجيرة إلى المملكة المتحدة يومي السادس والسابع من شباط (فبراير). ويشمل الاتفاق خياراً للمرور عبر رأس الرجاء الصالح بحوالي 6.4 مليون دولار أو عبر قناة السويس بحوالي 3.7 مليون دولار.  وتستقبل السوق الآسيوية حالياً عدداً أقل من السفن. وفي الأسبوع الماضي، قفزت أسعار الشحن للناقلات بعيدة المدى القادرة على حمل 670 ألف برميل من الديزل من كوريا الجنوبية إلى المملكة المتحدة بنسبة 30 في المئة على الأقل إلى أكثر من ستة ملايين دولار، حسبما أظهرت بيانات لشركة “سيمبسون سبينس آند يونغ تانكرز”.
وأدى هذا بدوره إلى رفع أسعار الناقلات الأصغر حجما، متوسطة المدى، بنسبة 20 في المئة التي تسل‬ك طرقاً عبر آسيا.
وقالت سيرينا هوانغ المحللة في شركة “فورتيكسا” للتحليلات النفطية: “نرى ما لا يقل عن 70 ناقلة تتحول إلى رأس الرجاء الصالح منذ بدء الضربات التي تقودها الولايات المتحدة في 12 كانون الثاني (يناير)”، مضيفةً أنه من المتوقع تحويل المزيد مع تصاعد التوترات بين الحوثيين والقوات التي تقودها الولايات المتحدة.
وقال تجار إنَّ ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين يقيد في الوقت نفسه شحنات الديزل ووقود الطائرات من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا. وأظهرت بيانات “كبلر” أن شحنات الديزل من الهند إلى أوروبا تراجعت بنحو 80 في المئة في كانون الثاني (يناير).
وأشار تجار إلى أنَّ ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة 50 في المئة قد يؤدي على الأرجح إلى تقليل الفرص أمام شركات التكرير الأوروبية لتصدير النفتا إلى آسيا.
وأضافوا أن الهجمات الأخيرة التي شنتها أوكرانيا على مصافي التكرير ومحطة وقود رئيسية في روسيا زادت من اضطراب التجارة العالمية مع اعتزام تقليل الصادرات من هناك.
وقال تجار إنَّ كل هذا دفع المزيد من المشترين إلى التماس إمدادات الشرق الأوسط إلى آسيا مما تسبب في ارتفاع بنسبة 60 في المئة في أسعار الشحن للناقلات بعيدة المدى التي يمكنها نقل 650 ألف برميل من النفتا إلى ما يتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين دولار.

التعليقات معطلة.