شهور العسل بين العراقيين وحكومة السوداني تتآكل

1

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

أحدث استطلاعات للرأي تكشف تراجعاً ملحوظاً لأداء الوزارات في ملفات عدة يتصدرها الفساد

صباح ناهي باحث وكاتب عراقي

رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في منتدى دافوس (أ ف ب))

ملخص
منذ البداية، تفاعل العراقيون مع حكومة السوداني التي رفعت شعار كونها حكومة خدمات، أملاً في الخلاص من فوضى كانت تعصف بالبلاد، وتقلصات مجتمعية عاشها العراق في ظل المحاصصة السياسية الطائفية التي طوقته وانتزعت منه السلم الأهلي.

منذ أن وطأت قدما محمد شياع السوداني مقر الحكومة الاتحادية في بغداد خلال أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 والرجل يحظى بثقة واسعة بين العراقيين، بدأت بتصديق البرلمان على برنامجه الحكومي الطموح الذي استند إلى الخدمات وتعزيز الأمن، لكن مجموعة من استطلاعات الرأي أظهرت أخيراً بعض التراجع في شعبيته.

يرى مراقبون للأوضاع في العراق أن حكومة السوداني تحديداً حازت ثقة غير مسبوقة مقارنة مع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ عام 2003، وأكدت ذلك استطلاعات الرأي المتكررة التي أجرتها مراكز البحث واستطلاعات الرأي العام، التي واكبت حكومة السوداني المنبثقة أساساً من رحم الاختلالات والأزمات التي سبقت إعلانها والولادة القيصرية التي أخرجتها.

كشفت الاستطلاعات السابقة المكرسة لقياس رأي العراقيين في حكومة السوداني منذ تشكيلها عن حصولها على تقييم إيجابي عال ورضا بدرجة لافتة، وأحيطت بتفاؤل واضح بخصوص عمل الحكومة وتوجهاته رافقها دعم شعبي لافت، خصوصاً أن الحديث تزايد عن اختيار رئيس حكومة بعيداً من ضغوط الخارج ولم يغادر بلاد الرافدين طوال أزماتها، ولم يكن ذا جواز سفر مختلط، إذ عمل مهندساً زراعياً في ميسان أقصى الجنوب العراقي إبان حكم نظام صدام حسين ثم صعد السلم السياسي داخلياً.

ثقة الجمهور المتأرجحة

منذ البداية تفاعل العراقيون مع حكومة السوداني التي رفعت شعار كونها حكومة خدمات، أملاً في الخلاص من فوضى كانت تعصف بالبلاد، وتقلصات مجتمعية عاشها العراق في ظل المحاصصة السياسية الطائفية التي طوقته وانتزعت منه السلم الأهلي، لكن استناداً إلى استطلاعات الرأي الدورية التي أجرتها المجموعة المستقلة للأبحاث، وهي مؤسسة بحثية متخصصة ببحوث الرأي العام مقرها عمان في الأردن، كشفت عن تغير مكانة الوزارة الحالية خلال الاستطلاع الأخير الذي أجرته.

مشروعات استثمارية في العراق (رويترز)

يقول مدير المجموعة المستقلة للأبحاث، رئيس لجنة استطلاع الرأي الأخير، الباحث الدكتور منقذ داغر، في شأن ثقة العراقيين بالحكومة الحالية، إن مدة الاستطلاع تركزت خلال الفترة من الـ13 من يوليو (تموز) الماضي وحتى الـ10 من أغسطس (آب) الجاري، وشمل عينة عشوائية احتمالية نسبية متعددة المراحل مكونة من 3 آلاف مقابلة أجريت وجهاً لوجه في بيوت المستطلعة آراؤهم بواسطة أجهزة لوحية إلكترونية من كل محافظات العراق شاملة الريف والحضر.

وبحسب داغر فإن العينة المستطلعة شملت كل الفئات الديموغرافية للعراقيين بحسب تمثيلهم النسبي، من ناحية الجنس والعمر والتعليم ومستوى الدخل وغير ذلك، مشيراً إلى أن هامش الخطأ المسموح به بلغ 2.6 في المئة.

انتهاء شهر العسل

تميزت كل الاستطلاعات السابقة عن رأي العراقيين في حكومة السوداني منذ تشكيلها قبل عامين بتقييم إيجابي عال بخصوص عملها، إلى الحد الذي يمكن القول إن الوزارة الحالية تمتعت بأطول شهر عسل مع العراقيين الذين كانوا دوماً يعبرون عن تفاؤل في بداية كل حكومة يتم تشكيلها ثم سرعان ما يبدأ هذا التقييم الإيجابي يتلاشى بعد بضعة أشهر، إذ تظهر الآراء من سلبية إلى سلبية جداً حول الأداء الحكومي.


أما مع حكومة السوداني فعلى رغم أن استطلاع الرأي ما زال يظهر درجة مرتفعة نسبياً من الثقة – مقارنة بالحكومات التي سبقتها – تقدر بنحو 52 في المئة، فإن هناك حالة واضحة من عدم الرضا عن الأداء الحكومي.

يقول الباحث منقذ داغر إن 58 في المئة من المستطلعة آراؤهم يرون أن أداء حكومة محمد شياع السوداني بات ضعيفاً مقابل 36.5 في المئة ممن أفادوا أن أداءها جيد.

تراجع في مكافحة الفساد

يقول مدير المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر إن مكامن الانحدار في نظرة العراقيين لحكومة السوداني أظهرتها مجموعة من أرقام الاستطلاع الخاصة بضعف الأداء في عدد من الملفات، أبرزها مكافحة الفساد، إذ أفادت 60 في المئة من العينة بأن أداء الحكومة ضعيف في هذه القضية، كما أن أداءها في الملف الاقتصادي لم يكن مقبولاً إذ أفاد 46 في المئة فقط أنه كان جيداً، بل إن أكثر من ثلثي المشاركين في الاستطلاع عدوا أداءها سيئاً خصوصاً في مجال معالجة البطالة.

كما أن تقييم أداء الحكومة في تقديم الخدمات الأساسية جاء ضعيفاً أيضاً، وأفاد 53 في المئة بأن أداء الحكومة ضعيف، بحسب داغر، الذي تحدث عن أن هناك عدم رضا عن أداء الحكومة في مجال الكهرباء وترجمت حالة عدم الرضا هذه نسبة 62 في المئة رأت الأداء ضعيفاً. وانقسم العراقيون في ملف التعليم إذ رأى 50 في المئة أنه جيد مقابل النصف الآخر الذي عده غير جيد.

تقدم في الملف الأمني

مدير المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر أكد أنه على رغم المؤشرات السلبية السابقة فإن حكومة السوداني نالت تقييماً إيجابياً في شأن الملف الأمني، إذ قال 76 في المئة من العراقيين المستطلعة آراؤهم إن الأمن وأداء القوات جيدان، كذلك فإن 65 في المئة راضون عن مجال الطرق والجسور، فضلاً عن أن 57 في المئة راضون عن إدارة ملف العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى.

جندي عراقي خلال نوبة حراسة في الموصل (أرشيفية – أ ف ب)

عموماً يمكن القول إن حكومة بغداد ما زالت تمتلك بعض الرصيد لدى الرأي العام العراقي بخاصة من ناحية الثقة بالحكومة (52 في المئة) أو من ناحية التفاؤل بالمستقبل، لكن من الواضح أن هذا الرصيد بات يستنزف بسرعة ما لم تسارع الحكومة لمعالجة الملفات التي أبدى المواطنون عدم الارتياح من إدارتها. لذا وفي خضم الحراك السياسي الجاري حالياً في العراق والدعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة، فإن هناك انقساماً حول الموضوع على رغم أن 43 في المئة لا يؤيدون إجراء الانتخابات، في حين أن هناك 35 في المئة ممن يؤيدونها والبقية محايدون بهذا الخصوص.

وتظل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ عام 2003 أسيرة المحاصصة السياسية الطائفية، التي أغرقت الدولة في مستنقع التناقضات وأهدرت مليارات الدولارات، التي لو وظفت لبناء العراق وتنميته لحققت نقلة نوعية في بناء الدولة الديمقراطية التي ينشدها الدستور، لكن تغول اللادولة في مفاصل المجتمع يجعل رضا الجمهور بعيداً من التحقق.

التعليقات معطلة.