شيء من التاريخ

3

 

– الجزء الثامن عشر –

جميل عبدالله

كنا قد تطرقنا في الأجزاء السابقة الى الالتزام المبدئي لمجلس الأمن , بتطبيق القواعد الآمرة للقانون الدولي . وخاصة ما ورد في المادتين الأولى والثانية من الميثاق . ويحتل مبدأ عدم التميز اهمية خاصة في القانون الدولي . وقد عرضنا خلاصة من قواعد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة دولياً , التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي , والتي تشكل أعلانا لما استقر عليه الفقه الدولي والقرارات القضائية لمحكمة العدل الدولية . وخاصة بأن الولايات المتحدة باحتلالها العراق قد خرقت قاعدة قطعية في القانون الدولي وهي عدم استعمال القوة في العلاقات الدولية .

وطالما ان مجلس الأمن عندما اصدر قراره 660/1990 عن احتلال العراق للكويت , واتبعه بسلسلة من القرارات تتعلق بفرض تعويضات على العراق كونها الطرف المحتل ويلتزم بالتعويض عن الاحتلال . كما جاء في القرارات 674/1991 وبعدها القرار 687/1991 والقرار 692/1992 . يفترض ان يعالج جميع حالات الاحتلال بمعيار قانوني واحد ويرتب عليها نفس الآثار القانونية ومنها ألزام المحتل بدفع تعويضات عن الأضرار الناجمة عن الاحتلال .

ولكن مجلس الآمن نفسه وضمن البند نفسه الذي فرض فيه العراق دفع التعويضات الى الكويت والدول الثالثة والأطراف المتضررة من الاحتلال .

اقر بقراره 1483/2003 بأن العراق قد احتل من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا . الا ان هذا الإقرار لم يتبعه تحميل الدول التي احتلت العراق المسؤولية الدولية الناجمة عن الاحتلال وتعويض العراق عن الاحتلال . ولاشك في ان هذا الطرح , ضمن البيئة السياسية الدولية الراهنة , نوع من الترف القانوني الفكري . ولكنه ضروري لوضع الأمور في نصابها الصحيح . وقد تناولته مراكز الدراسات القانونية ومقالات قانونية رصينة . وكما أوضحنا في الأجزاء السابقة من الموضوع حول خضوع مجلس الأمن للأمر الواقع بالاحتلال وعدم أدانته , فان الإشكالات القانونية التي اقترنت بالاحتلال تتسم بأهمية قانونية وخاصة الآثار المترتبة عن القضاء على النظام السياسي في العراق وخلو العراق من أية سلطة أوجهة يمكن ان تطالب الأمم المتحدة بالتعويضات . وخاصة بعد حل المدير الإداري لسلطة الاحتلال جميع البنى المؤسسية في العراق وخاصة الجيش العراقي . ومع ذلك فمن قبيل التوثيق , من الضروري تسليط الأضواء على الخلل الواضح في ممارسات مجلس الأمن تجاه العراق بين كونه معتدياً عام 1990 وبين كونه معتدى عليه 2003.

وقد اهتمت الدراسات القانونية الدولية بهذا الموضوع . حيث نشرت مجلة اللوموند ديبولو ماتيك مقالاً للدكتورة مونيك شيميليية جيندرو بعنوان ” من فيتنام الى العراق : أضرار الحرب في معيار مختلف ” . جاء فيه ما خلاصته :

هل ستكون للأضرار الناجمة عن الحرب على العراق تعويضات مالية تدفع من قبل الولايات المتحدة وحلفائها للسكان المحليين ؟ وهل تلتزم إسرائيل بهذا الالتزام تجاه الفلسطينيين ؟ من المرجح بان الإجابة لا , لان القانون الدولي , لم يكن حاسماً حول هذا الموضوع , ازاء منطق القوة المفروض من واشنطن وحلفائها . على كل , فمنذ عام 1918 صيغت قواعد تعويض أضرار الحرب , ويتعين أحياؤها .

ان العراق كان قد اكره على ان يدفع , من موارده النفطية الخاضعة لرقابة الأمم المتحدة , جميع تعويضات الحرب التي شنها على الكويت عام 1990 -1991 . وفي المقابل فان الولايات المتحدة لم تدفع اي فلس لحربها ضد فيتنام بين أعوام 1964 وحتى 1975 , كما انها رفضت الالتزام بدفع التعويضات التي حكمت بها محكمة العدل الدولية عام 1986 عن الحرب التي تسنها على نيكاراغوا . وعلى العكس فقد شنت الولايات المتحدة بعدها ثلاث حروب : الأولى تحت غطاء حلف شمال الأطلسي ضد كوسوفو والثانية ضد أفغانستان بعد أحداث سبتمبر 2001 والثالثة ضد العراق عام 2003 . وان الحرب الأخيرة كانت الأقسى من حيث الاضرار البشرية والمادية .

وبهذا الصدد فأن القانون الدولي يجد نفسه في حقبة تراجعية . فاذا كانت صرخات الشقاء للغزاة ولكن الممارسة الطويلة قد نجمت عن جزية فرضها الأقوى , وشيئا فشيئا نشأ أطار قانوني يسمح لمفاوضات السلام بأن تحدد التعويضات المترتبة على الغزاة . ومنذ بداية القرن العشرين وخاصة في معاهدة فرساي التي وضعت نهاية للحرب العالمية الأولى التي لم يقبل فيها الطابع التعسفي للتعويضات . وقد حددت التعويضات بقدرة التسديد عند الدولة .

واستعراض البحث ممارسة مجلس الأمن بفرض التعويضات على العراق بعنوان تعسفي مشهور , ان الإجراءات التي اعتمدت بصورة تعسفية قد ساهمت في انهيار العراق وانتهاكات لجميع الحقوق الإنسانية الاقتصادية والاجتماعية للسكان العراقيين . وان لجنة التعويضات لم تطبق اي معيار قضائي . وعالجت اللجنة اكثر من مليونين ونصف مليون مطالبة بوسائل إثبات موضع نزاع واحتجاج كبيرين .

في ضوء العجز الخطير للعدالة القانونية , فان مجموع قواعد المسؤولية الدولية هي على المحك , اذ ان العدالة تحتاج الى قواعد حاسمة . وان الهيئات الدولية تعمل منذ عقود على صياغة قواعد مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً وخاصة لجنة القانون الدولي . واذا كنا نريد تحويل الإنسانية الى مجتمع دولي حقيقي , يجب على الدول جميعها ان تراعي مصالحها القانونية باحترام قاعدة القانون . والا سيبقى الباب مفتوحاً للتدابير المضادة التي يبدو انها تشكل تراجعاً في القانون الدولي حيث تجيز كل دولة لنفسها ان تخلق العدالة لنفسها .

 

التعليقات معطلة.