الجزء الرابع
جميل عبدالله
شكلت لجنة مشتركة بين العراق والكويت لمناقشة مسألة الحدود وبدأت هذه اللجنة أعمالها عام 1964 وعقدت عدة اجتماعات بين 1964 وحتى 1967 وكان موقف الوفدين العراقي والكويتي متعارضا حول مهمة هذه اللجنة . فبينما كان موقف الكويت بان مهمة اللجنة تختصر في مناقشة تخطيط وترسيم الحدود وليس مناقشة مشروعيتها وصحتها لان هذا الموضوع كان قد حسم باتفاق سابق بين البلدين . كان موقف العراق انه ليس ملزما بقبول مشروعية الاتفاقات السابقة لانها عقدت عندما كان العراق تحت الانتداب البريطاني , كما انم اعقد من اتفاقات اخرى لم تتم المصادقة عليها . ورفض الوفد الكويتي موقف العراق لانه يتجاوز صلاحية اللجنة المشتركة , وبناء على ذلك فقد علقت اجتماعات اللجنة المشتركة الى اجل غير مسمى في عام 1967 . وبعد قيام نظم الحكم الجديد في العراق 1968 الذي يقوده حزب البعث العربي الاشتراكي طلب العراق عام 1969 من الكويت السماح له بان ترابط قواته على طرفي الحدود العراقية الكويتية لحماية ام قصر , ويتم ذلك فعلا . وجرت عدة محاولات حتى يسحب العراق قواته في عام 1973 والتفاوض على تسوية مسألة الحدود . وقد أصدت حكومة العراق لقبولها الحدود كأمر واقع ان تلحق جزيرة وربة بالعراق ا وان تأجر له . ورفضت الكويت اي تعديل على الوضع الراهن . وفي عام 1977 سحب العراق قواته من منطقة الحدود الكويتية على ان يبقى الباب مفتوحا لمفاوضات تستهدف تسوية نهائية للخلاف على الحدود .
وبعد نشوب الحرب بين العراق وإيران وانتهائها عام 1988 تصاعدت الأهمية الإستراتيجية لجزيرة وربة ويوبيان بالنسبة للعراق الذي طلب من الكويت حل مشكلة الحدود . وقام الشيخ جابر الصباح أمير الكويت بزيارة الى بغداد عام 1989 وتلتها زيارة الشيخ سعد الصباح رئيس الوزراء من دون ان تبحث مسألة الحدود .
بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية في آب 1988 كشف عن خلاف بين العراق والكويت والأمارات العربية المتحدة بشأن الحدود وأبار النفط المتعلقة بها , تصاعد حتى عام 1990 , حيث وجه السيد طارق عزيز وزير الخارجية ( العراق ) رسالة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية بتاريخ 15 تموز 1990 حول خلاف العراق مع كل من الكويت والإمارات العربية المتحدة بشأن الحدود والنفط . ونقتبس المقتطفات المهمة ذات العلاقة بمسألة الحدود في هذه الرسالة :
ان الذي دعانا الى كتابة هذه الرسالة , اننا مع عميق الأسف بتنا نواجه الان من جانب حكومة الكويت حالة تخرج عن إطار المفاهيم القومية . بل تتناقض معها وتهددها في الصميم . وتتناقض مع ابسط مقومات العلاقات بين الأقطار العربية . ان المسؤولين في حكومة الكويت وبرغم مواقفنا الأخوية الصادقة في التعامل معهم في جميع القضايا وبرغم حرصنا على مواصلة الحوار الأخوي معهم في كل الأوقات . وفي هذا الشأن هنالك رسائل موثوقة أرسلتها الحكومة العراقية للخروق الكويتية من خلال استغلالها للحرب العراقية – الإيرانية وفي أثناء سنوات الحرب الطويلة , وبصورة خاصة استغلت حكومة الكويت وبشكل مبرمج تنفيذ مخطط في تصعيد وتيرة الزحف التدريجي باتجاه ارض العراق فصارت تقيم المنشات العسكرية والمخافر والمنشات النفطية والمزارع على ارض العراق , ولكن تلك الإجراءات استمرت وبأساليب ماكرة وإصدار يؤكد التعمد والتخطيط . ومن الجانب الاخر اشتركت حكومة الإمارات العربية المتحدة مع حكومة الكويت , ومن الجانب الأخر اشتركت حكومة الإمارات العربية المتحدة مع حكومة الكويت , فقد نفذت حكومتا الكويت والإمارات عملية مدبرة لإغراق سوق النفط بمزيد من الإنتاج خارج حصتهما المقررة في الأوبك بمبررات وأهمية لا تستند الى اساس من المنطق او العدالة او الإنصاف . وبذرائع لم يشاركهما فيها اي من الأشقاء من الدول المنتجة . وقد إضافة حكومة الكويت الى هذه الإساءات المتعمدة إساءة اخرى مستهدفة الإضرار بالعراق بالذات . لقد نصت منذ عام 1980 وخاصة في ظروف الحرب منشات النفطية على الجزء الجنوبي من حقل الرميلة العراقي . وأضحت الحكومة العراقية لكل من الأشقاء العرب وبعد ان طلبنا مباشرة من هاتين الحكومتين الكف عن السياسة الظالمة والمدمرة وشرحنا لهما ما نتعرض اليه من إضرار كبيرة , قبل قمة بغداد وفي اثناء القمة وبعدها . وأرسلنا المبعوثين وكتبنا الرسائل لذلك فأننا ندين ما فعلته حكومة الكويت والإمارات بالعدوان المباشر على العراق فضلا عن عدوانهما على الأمة العربية .
ورد على هذه الرسالة الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت بمذكرة مؤرخة في 18 تموز 1990 نورد اهم ما ورد فيها في الجوانب المتعلقة بالحدود العراقية – الكويتية .
ان ما ورد في المذكرة من ادعاءات تتعلق بموضوع الحدود بين العراق والكويت , ومن ان الكويت قامت بتصعيد الزحف التدريجي والمبرمج تجاه الأراضي العراقية وذلك بإقامة المنشآت العسكرية والمخافر والمنشآت النفطية والمزارع على الأراضي العراقية , ان ذلك بعد تزييفا للواقع وعرضا للحقائق معكوسة , حيث ان للعراق سجلا حافلا في تجاوزاته على الأراضي الكويتية وهو سجل مدعم بالواقع لدى الجهات المعنية .
كما ردت الإمارات العربية المتحدة بمذكرة مؤرخة في 19 تموز 1990 ونظرا لأنه الموضوع لا يتعلق أصلا بمسالة الحدود العراقية – الكويتية فلا ضرورة لإيراد نص الرد الامارتي .
وبتاريخ 21 تموز 1990 وجه وزير خارجية العراق مذكرة الى الأمين العام لجامعة الدول العربية تعقيبا على رد وزير خارجية الكويت , نورد اهم ما ورد في هذه المذكرة في ما يتعلق بمسألة الحدود :
تقول المذكرة ان العراق كان يرفض ” ترسيم الحدود ” بينه وبين الكويت وهذه مغالطة تدحضها الحقائق والوثائق والواقع . اولا ان المسالة بين العراق والكويت , وكما جاء في رسالة نائب رئيس الوزراء الدكتور سعدون حمادي الموجهة الى وزير خارجية الكويت بتاريخ 30/4/1990 ( التي نرفق منها طيا ) , ليست مسألة ترسيم كما تدعي المذكرة الكويتية , ان وضع بلدين متجاورين تجمعهما أواصر القربى الوثيقة لم يتوصلا حتى الان الى اتفاق حول تحديد حدودها في البر والبحر .
وبما يلفت النظر ان الحكومة الكويتية لم تكتف بالرد على رسالتنا في مذكرة موجهة الى الجامعة العربية وانما ابغلت يوم الخميس 19/7/1990 رسالة حول الموضوع الى رئيس مجلس الامن والأمين العام للأمم المتحدة . فهل تقصد حكومة الكويت تدويل هذه المسألة في الوقت الذي ملئت فيه مذكرتها بالكلمات الإنشائية الطنانة عن الجامعة العربية وميثاقها وعن العلاقات بين العرب . ولم تنتج الجهود العربية في تسوية الأزمة بين العراق والكويت . وعلى العكس من ذلك فقد تصاعد التوتر بين العراق والكويت حيث قام العراق باحتلال الكويت بتاريخ 2 آب 1990 واصدر مجلس الأمن عدة قرارات أدانت الاحتلال .