علي الحسيني
يؤكّد عشرات الصحافيين العراقيين في قنوات تلفزيونية وصحف وإذاعات أنهم لم يتسلّموا مرتباتهم، للشهر السادس على التوالي، وسط مماطلة المؤسسات التي يعملون فيها، والاكتفاء بدفع مرتبات رؤساء الأقسام أو المنتجين والمخرجين ومقدمي نشرات الأخبار، على اعتبار أنه لا غنى عنهم.
ويأتي ذلك بعدما كشفت تقارير منظمات معنية بشؤون الصحافيين العراقيين، عن تسريح أكثر من 400 صحافي عراقي، خلال العام الماضي، ونكران لحقوق قسم كبير منهم. وتعاني أغلب وسائل الإعلام العراقية من أزمات مالية نتيجة تراجع الإعلانات وضعف التمويل من جهاتٍ خارجية، أبرزها إيران والولايات المتحدة الأميركية، عدا عن تشديد السلطات العراقية الرقابة حيال ملف الفساد المالي في الفترة الأخيرة، إذ إن جزءاً من هذه الأموال كان يُحوّل لصالح تشغيل مؤسسات صحافية ناطقة أو تتبنى وجهة نظر حزب أو كيان سياسي معين.
ودعت نقابة الصحافيين العراقيين أخيراً، الصحافيين المسرحيين إلى مراجعة النقابة وتسجيل شكوى رسمية ضد مؤسساتهم، وكذلك الذين لم يحصلوا على حقوقهم المادّية.
ويقول الصحافي العراقي عبد الرحمن علي، إنه لم يتقاضَ ديناراً واحداً من القناة التلفزيونية الفضائية التي يعمل فيها، ومقرّها العاصمة بغداد، لكنه مضطر للمواصلة لأنه لا بديل أمامه، أمل أن يأخذ مستحقاته مرةً واحدة. ويرى علي أن “المحرر في القنوات الفضائية هو الحلقة الأضعف، فهو يُخرِج وينجز، وبالنهاية لا أحد يعرف عنه شيئاً”، مبيناً أنّ “القناة تدفع لمن يخرجون على شاشاتها، ونحن تعطينا المخدر كل شهر، أمل أن تنهي أزمتها المالية”. ويتابع: “القناة تتمنى أن نترك العمل، ونقدم استقالتنا، لكن لن نحقق لها ذلك”.
من جهة ثانية، يقول الصحافي علاء الدليمي لـ “العربي الجديد”، إنّ ما يتعرض له صحافيون يعملون في صحف ومحطات فضائية محلية، يُشبه إلى حدّ كبير استغلال البشر أو حتى الاتجار بتعبهم. ويضيف: “للأسف البعض من الزملاء اضطر إلى قبول الهدايا من مسؤولين خلال تغطيتهم نشاطهم، وآخرون رفضوا وجلسوا في منازلهم، وآخرون ينتظرون العطف عليهم”. ويؤكّد الدليمي أنّ “نحو 9 محطات فضائية في العراق متهمة بهضم حقوق العاملين فيها، وكلها تعود لأحزاب أو جهات سياسية مدعومة من إيران، أو برامج يدعمها الكونغرس الأميركي ووزارتا الخارجية والدفاع الأميركيتان”.
وفي السياق نفسه، تتحدث أوساط صحافية في محافظات ومدن خارج بغداد، وخاصة شمال وغرب العراق، عن لجوء قنوات تلفزيونية إلى تشغيل شبان من هواة ومحبي مهنة الصحافة كمراسلين، والاكتفاء بمنحهم هويات صحافية وخطابات تسهيل مهمة، من دون أن تدفع لهم لقاء ما يصورونه من تقارير أو ما ينقلونه من أحداث. ويلجأ أفراد تلك الشريحة إلى القبول، برغم معرفتهم أنه يتم استغلالهم.
وبالنسبة للأوساط، فإنّ ذلك يؤثر على الصحافيين الذين يتم تسريحهم لاستقدام شبان هواة بلا خبرة، ويزجّ بهم في بعض الأحيان في مناطق خطرة للحصول على صور ولقطات غير قانونية، لا يسمح للصحافي الوجود فيها، كمناطق تنشط فيها خلايا تنظيم “داعش” الإرهابي أو فيها متفجرات ومخلفات حربية.
وفي سياق متصل، يروي الصحافي العراقي فلاح حسين لـ “العربي الجديد”، أنّ “إحدى الصحف التي أعمل فيها فصلتني من عملي قسراً، بعد توقفها عن دفع رواتبنا منذ نحو تسعة شهور. قررتُ التوجه إلى القضاء، وبين جلسة وثالثة ولعدم وجود عقد بيني وبين الصحيفة، تم غلق القضية من دون أن أنال حقي فيما أنا أعمل فيها منذ 10 سنوات. الآن أعمل في قناة محلية تدفع لي لقاء شهرٍ وتتوقف أربعة أشهر، ما جعلني أفكر بترك الصحافة وإيجاد عمل ثانٍ، ولكنّي قضيتُ 18 سنة من عمري في المجال وخرجتُ منها كما يقال باللكنة العراقية هب بياض”، أي “فارغ اليدين”. ويؤكّد حسين أن “القنوات مموّلة من جهات داخلية وخارجية، وحين تسأل المحاسب يقول لا أعلم ننتظر التمويل لدفع مرتباتكم، وينهي الحديث باصبر أو الله معك اذهب إلى أهلك ولا عمل لنا معك”.
بدوره، يفيد عضو نقابة الصحافيين العراقيين علي الجبوري، في تصريح لـ “العربي الجديد”، بأنّ “النقابة تلقت عشرات الشكاوى من الصحافيين بعد تسريحهم من قنواتهم، وكذلك شكاوى تتعلق بعدم دفع رواتب العشرات من العاملين في وسائل الإعلام المحلية، وتسعى لإيجاد صيغ قانونية مع الحكومة للحدّ من ظاهرة تسريح الصحافيين من عموم وسائل الإعلام”.