صفعة جديدة ينتظرها قطاع المقاولات التونسي في 2024

1

الحكومة تعتزم زيادة الأداء على القيمة المضافة عند شراء المنازل الجديدة من 13 إلى 19 في المئة

محرز الماجري صحافي 

تخوف من عزوف تام من التونسيين عن شراء المنازل مما سيضر بقطاع يشغل مليون عامل (أ ف ب)

يترقب قطاع المقاولات في تونس صفعة موجعة جديدة في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل مع تطبيق زيادة جديدة في نسبة الأداء على القيمة المضافة من 13 إلى 19 في المئة بزيادة ست نقاط كاملة على المنازل المشتراه والمشيدة حديثاً.

واعتبر متخصصون أن الإجراء المرتقب تنفيذه يمثل ضربة قاسمة للمقاولين، خصوصاً التونسيين المقبلين على شراء منازل أو وحدات سكنية، إذ يعد انهياراً للقطاع الذي يواجه صعوبات عدة بالأساس على رغم أنه أحد أهم محركات النشاط الاقتصادي في البلاد.

وتأثر قطاع السكن في تونس بالأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من عقد، مما جعل قطاع المقاولات على وشك الانهيار مع تراجع مبيعات الوحدات السكنية والمنازل، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية للتونسيين في ظل صعوبة في الحصول على قروض السكن من البنوك المحلية في ظل ارتفاع نسبة الفائدة البنكية.

وشهد مسار الزيادة في نسبة الأداء على القيمة المضافة على المنازل مداً وجزراً بين المقاولين ووزارة المالية منذ 2017، عندما شرعت الوزارة في تلك الفترة زيادة تلك النسبة من 13 إلى 19 في المئة، قبل أن يقنع المقاولون أعضاء البرلمان بضرورة التخلي أو إرجاء تطبيق القرار.

وأعادت وزارة المالية مناقشة مشروع القانون من جديد في ظل تصدي البرلمان إلى حين تم الاتفاق على التنفيذ مطلع 2023 في ظل رفض المقاولين.

قطاع منكوب

وبحسب بيانات الغرفة الوطنية للباعثين (المقاولين) العقاريين التونسيين، شهد قطاع البعث العقاري أزمة حادة بسبب ارتفاع كلف بناء المساكن وتراجع القدرة الشرائية للمواطن مقابل غلاء أسعار المنازل، مما خفض عدد الوحدات السكنية الجديدة من 20 ألف وحدة سنة 2010 إلى أقل من ثلاثة آلاف وحدة سكنية جديدة بنيت في السنوات القليلة الماضية.

وتعليقاً على ذلك قال رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين بمنظمة “الأعراف”، فهمي شعبان، إن “قطاع المقاولات في تونس أضحى منكوباً ومستهدفاً من حكومات ما بعد سنة 2011 بسياسات ممنهجة بقصد تدميره”.

وعبر في تصريحات إلى “اندبندنت عربية” عن حيرته حول مستقبل القطاع الذي يعمل به أكثر من مليون عامل، ويسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية، مضيفاً، “مع الأسف يعيش القطاع المقاولات حالياً أحلك فتراته”.

ورأى شعبان أن “وضعية المقاولين أصبحت مثل المواطنين، إذ يعيشون وضعاً اقتصادياً متردياً منذ عام 2012 أثر بدوره في هذا القطاع الذي عرف طفرة واضحة قبل عام 2011 من أبرز تجلياتها ظهور مناطق سكنية كبيرة وراقية في كل جهات البلاد تقريباً، أسهمت في تنشيط الدورة الاقتصادية والنسيج الصناعي وكل القطاعات المرتبطة بالبعث العقاري”. وأوضح أن “سياسات تدمير قطاع المقاولات تسببت في ارتفاع متوسط سعر الوحدة السكنية في تونس إلى 142 ألف دولار، وهذا المبلغ يستعصي على المواطن البسيط توفيره”.

عزوف كبير من المواطنين

من جانبه، قال المتخصص في الشؤون الضريبية وعضو المجلس الوطني للجباية (الضرائب) محمد صالح العياري إن “الزيادة الجديدة في نسبة الأداء على القيمة المضافة من 13إلى 19 في المئة هي إجراء اتخذته وزارة المالية منذ أربع سنوات ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020 على أن يبدأ تنفيذه مطلع يناير 2024”. وأضاف أن “قطاع المقاولات في تونس مهم، إذ إنه يحرك قطاعات عديدة، ويمثل قاطرة اقتصادية مهمة في البلاد”، مشيراً إلى أن “البلاد تمر بصعوبات عدة في السنوات الأخيرة، سواء على مستوى الوصول إلى مصادر التمويل المصرفي للتشييد والإعمار إلى جانب غلاء مدخلات الإنتاج، مما رفع بصورة ملحوظة أسعار المنازل في البلاد”، لافتاً إلى أن “زيادة نسبة الأداء على القيمة المضافة على المنازل ستؤدي إلى عزوف كبير من التونسيين على شراء المنازل مع ارتفاع أسعارها”.

اقرأ المزيد

ووصف العياري الإجراء الجديد بـ”غير الشعبي”، موضحاً أن “كلفة القروض البنكية في تونس باهظة بصورة لافتة، في ظل رفع البنك المركزي التونسي أسعار الفائدة حتى بلغت ثمانية في المئة، وهو ما يدفع المصارف التجارية بدورها إلى زيادة نسب الفائدة في السوق النقدية لتراوح ما بين 11 و13 في المئة، مما سيثقل كاهل المواطن ويعسر عليه تحقيق حلم امتلاك منزل”.

واقترح العياري على وزارة المالية التونسية عند مناقشة مشروع قانون المالية في العام المقبل إرجاء تطبيق هذا الإجراء إلى يناير 2026، آملاً في أن تتحسن الظروف الاقتصادية للبلاد مع تسهيل إجراءات تسجيل المنازل والتخفيف من ثقلها المالي.

أضرار مضاعفة

من جهته، عبر جلال مزيو صاحب شركة مقاولات عن رفض المقاولين من القطاع الخاص بصورة قاطعة الإجراء الجديد، قائلاً “سيضر بقطاع البناء في تونس، وسيسهم في اختفاء عشرات من شركات المقاولات، إذ لن تقدر على مجابهة ارتفاع كلفة البناء”.

أضاف مزيو في تصريحات إلى “اندبندنت عربية”، أنه “على رغم أن الزيادة بست نقاط كاملة في الأداء على القيمة المضافة على المنازل والشقق المشيدة قد تحل الأزمة المالية الحالية في موازنة الدولة، فإنها ستخلف أضراراً مضاعفة على المقاولين وعلى سلسلة إنتاج كاملة مرتبطة بالقطاع إلى جانب نفور المواطن من شراء المنازل”. وتابع “الغرفة الوطنية النقابية للباعثين العقاريين ترفض هذا الإجراء، بل طالبت خفض نسبة القيمة المضافة إلى مستوى سبعة في المئة حتى يسهم قطاع المقاولات في تنشيط الاقتصاد التونسي“، متوقعاً ارتفاع أسعار الوحدة السكنية في تونس من 100 ألف دولار إلى 120 ألف دولار بعد تطبيق الإجراء الجديد.

وأكد مزيو أن الغرفة تواصلت مع وزارة المالية حتى تتراجع عن الإجراء من خلال مدها بدراسة أعدتها الغرفة من طرف مكتب دراسات عالمي حول قطاع السكن والمقاولات تتضمن تحليلاً شاملاً للوضعية، وبخاصة أن تضم حزمة من الحلول، منها كيفية امتلاك الشاب التونسي منزلاً من دون توظيف أداءات عليه، مشيراً إلى أن وزارة المالية غضت الطرف ولم تتفاعل حتى الآن مع مطالب المقاولين من القطاع الخاص، معرباً عن تخوفه من التداعيات الخطرة للزيادة في نسبة الفائدة على القيمة المضافة على المساكن الجديدة بداية من السنة المقبلة.

حوافز وإجراءات

من جانبها، قالت وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني خلال افتتاح صالون البناء بالعاصمة تونس، إن وزارتها الوزارة نفذت عديداً من الإجراءات والبرامج السكنية في خطوة منها لتشجيع المواطن على شراء المنازل.

يشار إلى أن الوزارة أعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي عن حزمة من الإجراءات الجديدة لفائدة الأجراء (المؤجرين) محدودي ومتوسطي الدخل للانتفاع بتدخلات صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الإجراء لتمكينهم من السكن اللائق.

وتضمنت القرارات الجديدة زيادة في سقف الدخل الشهري لأكثر من ألف دولار مع اشتراط توفير 10 في المئة فحسب للتمويل الذاتي للحصول على القرض البنكي للمساكن الاجتماعية مع تحديد السن القصوى لسداد القرض عند 75 سنة على أن تبلغ مدة سداد القرض 25 سنة مع سنتين أو ثلاث سنوات مهلة بحسب دخل الأجير مع احتساب نسبة فائض قرض تراوح ما بين واحد أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة في المئة بحسب دخل الأجير.

وتعترف وزارة التجهيز والإسكان أيضاً بالظروف الصعبة التي يمر بها المقاولون، سواء العموميون (القطاع الحكومي)، أو القطاع الخاص من حيث ارتفاع كلفة البناء والأراضي، وتفعيل الأداء على القيمة المضافة بنسبة 19 في المئة مع الارتفاع المسجل في نسب فائدة القروض السكنية، مما أثر سلباً في موازنات شركات المقاولات، وخصوصاً في القطاع الخاص.

التعليقات معطلة.