د.أسامة نورالدين:
لقد أدت السياسات الأميركية بالمنطقة إلى حالة الغليان، وساعدت في دخول العديد من القوى على خط الصراع، ولا يمكن لصفقة مهما كان نوعها أن تساعد في حل الصراع، بل إن أقصى ما يمكن لها أن تفعله تلك الصفقة أن تؤدي إلى تأجيج الصراع وإعادة إشعاله وإشعال المنطقة من جديد.
بالرغم من حجم الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصعيد الداخلي، على خلفية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وما سببته له من تراجع ملحوظ في نسب تأييد الرأي العام الأميركي لسياساته الداخلية والخارجية، إلا أن إدارته لا تزال تعول على تنفيذ ما يعرف بصفقة القرن، والتي من شأن تطبيقها القضاء على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، سواء في إقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 أو في الحفاظ على المقدسات.
وكما هو واضح من التصريحات والمواقف الأميركية تعول الإدارة الحالية على عامل الوقت، وتعتقد أن مواصلة سياسات الضغط التي تمارسها على السلطة الفلسطينية وعلى حركات المقاومة والتي كان آخرها القرار الأميركي المقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أجل اعتبار حركة حماس حركة “إرهابية” والذي تم رفضه بإجماع كبير، من شأنه أن يساعد في ليِّ ذراع الحكومة والحركات الفلسطينية، ودفعهم للتفاوض مع الولايات المتحدة وحليفها الإسرائيلي بلا شرط أو قيد.
وينسى الوسيط الأميركي أنه لا السلطة الفلسطينية ولا حتى حركات المقاومة بيدها الحل النهائي للقضية، وذلك ما أثبتته مسيرات العودة التي يطلقها الشعب الفلسطيني كل أسبوع للتعبير عن رفضه لتلك الصفقة وغيرها من الصفقات التي تضر بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
ما يعني أنه حتى لو ضعفت السلطة أو استجابت حركات المقاومة نتيجة للضغوط التي تفرض عليهم وقبلت بالشروط الصهيو أميركية، فإن الشعب الفلسطيني، سواء من هم في الداخل أو من هم في الشتات من اللاجئين وغيرهم، لن يقبل بضياع القضية، ما يعني أن الرهان على عامل الضغط أو عامل الوقت لن يجدي نفعا لحل هذه القضية.
وفي هذا تخطئ الإدارة الأميركية مرتين، مرة لأنها تجهل حقيقة الشعب الفلسطيني الذي يضحي منذ عشرات السنين من أجل الحفاظ على عدالة قضيته، ومرة ثانية لأنها تضحي بالدور الأميركي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ليس هذا فحسب، بل وتسيء للولايات المتحدة وتضر بمصالحها في منطقة الشرق الأوسط.
فإذا كانت نسب الرفض لسياسات الرئيس ترامب وصلت إلى 60% حسب آخر استطلاع للرأي قامت به صحيفة الواشنطن بوست، فإن تلك النسبة تصل لـ100% في المنطقة العربية، ولكن هذه المره ليس لسياسات إدارة الرئيس ترامب وإنما للولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها باتت تغرد خارج السرب، وتتخلى عن دورها المعهود في إدارة وحل الصراع.
لقد أدت السياسات الأميركية بالمنطقة إلى حالة الغليان، وساعدت في دخول العديد من القوى على خط الصراع، ولا يمكن لصفقة مهما كان نوعها أن تساعد في حل الصراع، بل إن أقصى ما يمكن لها أن تفعله تلك الصفقة أن تؤدي إلى تأجيج الصراع وإعادة إشعاله وإشعال المنطقة من جديد.
لذلك فإن الاستمرار في تلك الصفقة والغفلة عن تداعياتها الخطيرة على الأمن والسلم الدوليين، والرهان على عاملي الوقت والضغط عىي الحكومة والشعب الفلسطيني، لن يسفرا عن أي نتيجة تصب في صالح حل الصراع، بل على العكس من شأن تلك الصفقة أن تزيد من حالة التوتر التي تعيشها المنطقة في الوقت الراهن، وتدفعها إلى حالة من عدم الاستقرار قد تضر بمصالح الجميع وعلى رأسها المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.