مقالات

“صفقة القرن” ولكن.. من منظور أمني وفلسفي سياسي من باب “تعظيم المنفعة”

 
وسام شبيب
النقاشات السياسية، الحالية – الحاضرة في الاروقة السياسية تناقش ملامح صفقة القرن، من الهام جدا فهم ماهي صفقة القرن؟ وتداعياتها …
لا يمكن فصل السياسة عن الامن والاقتصاد، تتسارع وتيرة الاحداث في الشرق الأوسط، هنالك ملفات شائكة امام الإدارة الامريكية وحلفائها في الشرق الأوسط. النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط يزداد، هذا النفوذ مرعب، هذا النفوذ مقلق للغاية للإدارة الامريكية والمملكة العربية السعودية والحلفاء في الشرق الأوسط.
نتيجة “للربيع العربي”، هناك المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة، والعواصم العربية في خطر مستمر من الجماعات المتعصبة مثل جبهة النصرة وداعش والجماعات الإرهابية المدعومة من إيران مثل الحوثيين.
المملكة العربية السعودية تهاجم بالصواريخ البالستية من قبل أدوات إيران في الشرق الاوسط. إيران دولة تتدخل بالشؤون الداخلية وسياسات الدول العربية وخاصة سياسات المملكة العربية السعودية وأخذ دورها في منطقة الشرق الأوسط يتخذ أبعادا واضحة لتغذية الصراعات الطائفية.
من الواضح لقراء السياسة في الشرق الأوسط بانه باتت ترتيبات سياسية، امنية واقتصادية وشيكة في الشرق الاوسط، هذه الترتيبات صنع وشراكة دوائر مخابرات إقليمية ودولية على حد سواء. من ضمن هذه الترتيبات الملف الفلسطيني وحله بما يسمى “صفقة القرن”.
بعض الدول العربية حاولت إقناع السلطة الفلسطينية بقبول “صفقة القرن” الخاصة بالتسوية الفلسطينية الإسرائيلية التي تطبخها واشنطن كما أن، بعض العواصم العربية نصحت الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقبول الشروط المعروضة عليه اليوم حتى لا يندم الفلسطينيون لاحقا.
في هذه المقالة سأناقش تداعيات وملامح “صفقة القرن” من منظور أمني ومنظور فلسفي سياسي من باب “تعظيم المنفعة – Maximizing Utility”.
البنود الاساسية لصفقة القرن وفقا للتسريبات الاعلامية: تنازل جمهورية مصر العربية عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وهذه الأراضي عبارة عن مستطيل، ضلعه الأول 24 كيلومتراً، ويمتد بطول ساحل البحر المتوسط من مدينة رفح غربا، وحتى حدود مدينة العريش، أما الضلع الثاني فيصل طوله إلى 30 كيلومتراً من غرب كرم أبو سالم، ويمتد جنوبا بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، وهذه الأراضي (٧٢٠ كيلومتراً مربعاً) التي سيتم ضمها إلى غزة تضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات، حيث إن مساحته الحالية تبلغ 365 كيلومتراً مربعاً فقط.
منطقة الـ(720 كيلومتراً مربعاً) توازي 12% من مساحة الضفة الغربية، ومقابل هذه المنطقة التي ستُضم إلى غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة لتدخل ضمن الأراضي الإسرائيلية.
مقابل الأراضي التي ستتنازل عنها مصر للفلسطينيين، تحصل القاهرة على أراض من إسرائيل جنوب غربي النقب (منطقة وادي فيران)، المنطقة التي ستنقلها إسرائيل لمصر يمكن أن تصل إلى 720 كيلومتراً مربعاً (أو أقل قليلا)، لكنها تتضاءل مقابل كل المميزات الاقتصادية والأمنية والدولية التي ستحصل عليها القاهرة لاحقا.
لا تقوى غزه حاليا وبمساحتها الضئيلة على الحياة، فتعداد سكانها يقارب 1.5 مليون نسمة، كما ان غزة لا تملك ميناء بحري بحجم معقول بسبب محدودية المساحة ان توسيع مساحة غزة شرط أساسي لضخ الحياة فيها والاقتصاد يقوم على الزراعة والتكنولوجيا البسيطة. وفقا لصفقة القرن سيتم إعطاء قطاع غزة 24 كم إضافية من السواحل المطلة على المتوسط، مما يترتب عليه مزايا مثل التمتع بمياه إقليمية تصل إلى 9 أميال بحرية، وخلق فرص وفيرة للعثور على حقول غاز طبيعي في هذه المياه، كما ان 720 كم مربع لغزة سيمنحها الفرصة لإنشاء مطار وميناء دوليين ومدن جديده لها القدرة على استيعاب الانفجار السكاني، لكن على الفلسطينيين، في المقابل، أن يتنازلوا عن جزء من الضفة الغربية.
مصر بدورها ستتنازل عن 720 كم مربع من أراضيها لتحقق بعض المكاسب كالترابط الجغرافي بدول الجوار (الأردن، السعودية، العراق) عن طريق نفق وسكك حديدية تربط مصر بدول الجوار، مما سينعكس بالازدهار الاقتصادي على مصر. مصر ستتنازل عن 1% من أرض سيناء ولمنها ستبسط سيادتها على 99% من ارض سيناء وهذا تصحيح تاريخي للاتفاق السلام المصري – الإسرائيلي لعام 1979 الذي يقيد نشر القوات المصرية في سيناء، ناهيك عن رزمة تسهيلات أخرى كالسماج لمصر ببناء مفاعل نووي لأغراض سلمية.
قد يكون هذا الحل الإقليمي حل عقلاني متماشي مع الحداثة السياسية العالمية وسياسيات الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في المنطقة، اذ يقوم هذا الحل على تعظيم المنفعة للكل ولكن من منظور اقتصادي لا يعطي الفلسطينيين دولة لها مقومات الدولة أي الإقليم البري والبحري والجوي، كما أن هذا الحل يتجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين وتعدادهم زهاء ال 7 مليون لاجئ فلسطيني حول العالم، كما قد يصحح هذا المسار السياسي الجديد تعثر العملية السلمية ومفاوضات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية الناتجة عن اتفاق أوسلو، اذ بات واضح للعيان بان حل الدولتين حل تنصلت له الأطراف كافة، و ان لم يكن تنصل مباشر، بعد 25 سنة من المفاوضات العبثية.
ان أراد الفلسطينيون مواجهة هذا المسار السياسي عليهم بتوحيد مرجعياتهم كافة، اشراك الكل الفلسطيني بالعملية السياسية بغض النظر عن المنطقة الجغرافية، توحيد خطابهم السياسي والتعالي عن لغة المناكفات السياسية. ككاتب وباحث مختص بشؤون الشرق الأوسط لا أرى بانه بات من الإمكان انقاذ ما يمكن إنقاذه من القضية الفلسطينية، فلغة المصالح باتت عالية وشائكة في ان معا، بل أرى ان القضية الفلسطينية أضحت قضية جهوية تسير لمركب الكيانات الفلسطينية المنفصلة وهنا اقصد كيان غزة، الضفة الغربية وكيان الخارج الفلسطيني، ناهيك عن سيناريو الضفة الغربية المتمثل بجتوهات سكنية…