في خطوة تُعيد أجواء الحرب الباردة إلى الواجهة، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن صفقة صواريخ بعيدة المدى لدعم أوكرانيا، مما أثار غضب موسكو التي اعتبرت الأمر تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. هذه الخطوة وضعت العالم أمام أزمات متعددة الأوجه تشبه أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، التي كادت أن تقود إلى مواجهة نووية شاملة .
التاريخ يعيد نفسه؟
في أزمة الصواريخ الكوبية، نشر الاتحاد السوفيتي صواريخ نووية في كوبا ردًا على نشر الولايات المتحدة صواريخ باليستية في تركيا وإيطاليا. الأزمة انتهت بعد 13 يومًا من التوتر باتفاق سحبت بموجبه موسكو صواريخها من كوبا مقابل ضمانات أميركية بعدم غزو كوبا وسحب الصواريخ الأميركية من تركيا .
اليوم، يواجه العالم أزمة مختلفة لكنها تحمل ملامح مشابهة؛ إذ تعتبر روسيا أن دعم أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى يشكّل تعديًا على خطوطها الحمراء، خاصة مع توسع حلف الناتو شرقًا. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قام مؤخرًا بتحديث العقيدة النووية الروسية، صرّح مرارًا بأن بلاده مستعدة لاستخدام السلاح النووي إذا تعرض أمنها القومي أو وجودها للتهديد. هذه التصريحات تعكس واقعًا أكثر خطورة مما شهده العالم عام 1962، حيث لم تكن الأطراف آنذاك تُلوّح علنًا باستخدام الأسلحة النووية كخيار واقعي .
أزمات متعددة في الأفق
العالم اليوم يعيش أكثر من أزمة تهدد النظام الدولي، من التصعيد في أوكرانيا إلى التوترات في بحر الصين الجنوبي والشرق الأوسط. الصراع في أوكرانيا أصبح ساحة صدام غير مباشر بين القوى العظمى، مع استمرار الدعم الغربي لكييف وردود الفعل الروسية الحادة. يُضاف إلى ذلك سباق التسلح المتسارع، إذ تتبادل واشنطن وموسكو الرسائل الاستراتيجية عبر اختبارات صواريخ وتوسيع التحالفات العسكرية .
الأزمة الحالية تُظهر أن خطر الانزلاق نحو مواجهة نووية، وإن كان غير وشيك، يظل قائمًا. تصريحات بوتين الأخيرة وتحديث العقيدة النووية الروسية يعكسان استعدادًا للتصعيد إذا ما شعرت موسكو بأن وجودها مُهدد. وعلى الجانب الآخر، تُواصل الولايات المتحدة خطواتها لتعزيز مواقعها الجيوسياسية، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار النظام الدولي .
هل الحلول الدبلوماسية ممكنة؟
بينما تبدو المواجهة النووية الشاملة خيارًا مستبعدًا، فإن استمرار التصعيد يضع العالم أمام مخاطر غير مسبوقة منذ عقود. أزمة الصواريخ الكوبية انتهت بفضل الحكمة السياسية والاحتكام إلى المفاوضات، لكن الظروف الراهنة تبدو أكثر تعقيدًا. المشهد الحالي يشمل قوى متعددة وأزمات مترابطة تجعل من الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة .
العالم يقف اليوم عند مفترق طرق: إما تبني حلول سياسية تعيد الاستقرار، أو الانزلاق إلى مواجهات لا تُبقي ولا تذر. وبينما تتكرر دروس التاريخ، يبدو أن الأطراف المعنية لم تتعلم بعد أن الحروب الباردة، وإن لم تتحول إلى حروب ساخنة، تُكلف البشرية أكثر مما تتحمل .
الأزمة الراهنة بين واشنطن وموسكو تُثبت أن العالم لم يتعلم بعد من دروس الماضي، وأن توازن القوى العالمي لا يزال هشًا أمام المصالح الجيوسياسية. في ظل هذا التصعيد، يبدو أن العالم أمام خيارين . إما العودة إلى طاولة المفاوضات، أو التوجه نحو مسار مجهول يحمل في طياته الكثير من المخاطر .