مقتل مرشح سنّي بعد أيام من اغتيال شيعي يزيد المخاوف على أمن الاقتراعالأحد – 11 شوال 1442 هـ – 23 مايو 2021 مـ رقم العدد [ 15517]
بغداد: «الشرق الأوسط»
انتهى فصل الربيع القصير في العراق عادة، وبدأ فصل الصيف الساخن مبكراً، بعد أن أخذت درجات الحرارة تتجاوز الأربعينات، وتتقدم لا تلوي على شيء نحو الخمسينات، في ظل استمرار التذبذب في ساعات تجهيز الكهرباء.
المواسم السياسية في العراق لا تعرف الفصول، باستثناء فصل واحد يتكرر بمزيد من الدم كل أربع سنوات، الذي يُسمى الاستحقاق الانتخابي، باستثناء هذه المرة، حيث تقرر أن تجري الانتخابات مبكرة. هذه هي أحكام الديمقراطية التي تتقرر من خلال صناديق الاقتراع قبل الحريق أم بعده. هناك المزيد من الأصابع البنفسجية لأغراض إعلامية في مقابل المزيد من الدماء التي لا أحد يعرف متى يتوقف جريانها على درب الديمقراطية الذي لا يزال طويلاً.
مع ذلك، ولأن كل شيء في العراق ديمقراطي حتى القتل، فإن العدالة الانتخابية تقتضي التوازن في التصفيات؛ فبعد أقل من عشرة أيام على اغتيال الناشط المدني البارز والمرشح للانتخابات المقبلة عن الحراك الجماهيري إيهاب الوزني، اغتيل، مساء أول من أمس، في الطارمية، شمال بغداد، مرشح سني اسمه هشام المشهداني. قبل اغتيالهما لم يكن أحد يعرف الوزني إلا على مستوى الحراك الجماهيري، الذي بدأ في انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019. أما المشهداني فحتى ليلة اغتياله لم يكن معروفاً على مستوى الإعلام، مع أنه ناشط مهم في منطقته، ومرشح ساخن في انتخابات تزداد سخونة في كل شيء، حرارة التصفيات وحرارة الدرجات.
لم تعد تنفع التحذيرات ولا المناشدات بمن في ذلك الرسائل الثلاث التي بعثها العراق إلى مجلس الأمن، من أجل الانتخابات، طبقاً لما أعلنه عبد الحسين الهنداوي مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات. الهنداوي يقول إن وزير الخارجية فؤاد حسين أرسل كُتُباً إلى مجلس الأمن الدولي، ثلاث مرات، بشأن المراقبة الدولية للانتخابات المقررة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مضيفاً في بيان أن «مجلس الأمن سيبحث الموضوع خلال الأيام المقبلة، ومن المتوقع أن يكون الرد إيجابياً جداً»، لافتاً إلى أن «العراق متفهم للضرورات الدولية وكل الشروط المطلوبة بشأن الملف». وأكد أن «المراقبة الدولية لن تؤثر على سيادة العراق بالمطلق»، مشيراً إلى أن «الموضوع ستتم متابعته من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وليس الحكومة، كونها السلطة الحصرية للانتخابات». وأوضح أن «الحكومة ستراقب عمل المفوضية وتقدم الدعم لها، مع التأكيد على المهنية والشفافية والنزاهة».
خميس الخنجر، زعيم تحالف «العزم» الذي ينتمي إليه المرشح المغدور هشام المشهداني الذي يترأس منظمة شبابية تطوعية هناك، وصف عملية اغتيال مرشحه بأنها «رسالة خطيرة تؤشر إلى ضرورة حماية العملية الديمقراطية وأصحاب الفكر والنشاط الجماهيري من السلاح المنفلت والمجاميع الإرهابية».
في الطارمية حيث كان يسكن المشهداني قبل اغتياله، يختلط السلاح المنفلت بسلاح موازٍ آخر هو سلاح المجاميع الإرهابية، وفي المقدمة منها تنظيم داعش. بيان الخنجر لم يفصل بين الاثنين، حيث المسافة أحياناً ليست كبيرة بين نوعي السلاحين أو طريقة استخدامهما. التحقيقات لم تثبت منذ مقتل هشام الهاشمي، القتيل الأبرز بين الضحايا حتى الآن، وحتى الآن، مَن هو المتورط؟ الوعود هي سيد الموقف. النائب السابق في البرلمان العراقي والمرشح الحالي عن تحالف العزم إياد الجبوري يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «ملف الاغتيالات في العراق، وإن كان ليس جديداً، خصوصاً في مواسم الانتخابات، لكنه الآن يزداد خطورة، في ظل فشل متكرر سواء في كشف القتلة أو محاسبتهم».
ويضيف الجبوري أن «استمرار مثل هذه التصفيات سوف يؤثر كثيراً على مسار الانتخابات، وعلى الوضع العام في البلاد، بالإضافة إلى إنها يمكن أن تكون ذريعة للجهات التي تريد تأجيل الانتخابات». ويدعو الجبوري إلى «أهمية تأمين الأمن الانتخابي، وهو ما يتطلب من الحكومة والجهات الأمنية وضعه في أول سلم الأولويات وإلا، فإن أي حديث عن التغيير عبر الديمقراطية وصناديق الاقتراع ليس سوى حديث خرافة، لا سيما أن التنافس لم يعد للأسف شريفاً، بل يستند إلى التصفيات».
في محافظة ديالى، وهي إحدى المحافظات الساخنة عند كل انتخابات، يعبر النائب والوزير السابق والمرشح الحالي للانتخابات صلاح مزاحم الجبوري عن تخوفه من إمكانية حدوث خلل يمكن أن يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه، خلال المستقبل القريب. الجبوري وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول إن «الوضع الحالي في ديالى شبه مستقر لكن خلال الفترة المقبلة، مع اقتراب موعد الانتخابات، تبقى كل الاحتمالات قائمة»، مبيناً أن «مسألة الاستقرار تبقى نسبية، ليس في محافظة ديالى وإنما على مستوى العراق كله، حيث يمكن أن تحصل مشاكل سواء كانت من قبل التنظيمات الإرهابية مثل (داعش) أو سلاح منفلت أو تصفية حسابات»، مبيناً أن «هناك مَن هو مسؤول في السلطة ربما يستخدم نفوذه في مجال التأثير على الآخرين».
وبشأن الأمن الانتخابي، يقول الجبوري إن «هناك ثلاثة أنواع من التهديدات للأمن الانتخابي: الأول هو سيطرة (داعش) في بعض المناطق، والثاني السلاح المنفلت في مناطق أخرى، والثالث هو المال السياسي والسلطة».
إلى ذلك، عدّ زعيم تحالف «عراقيون»، عمار الحكيم، أن «صناديق الاقتراع السبيل الوحيد للإصلاح وتغيير الأوضاع، لا سيما أن الانتخابات المقبلة تختلف عن سابقاتها؛ كونها تجري في ظل أوضاع مختلفة وقانون جديد، فهي مصيرية، وبوابة نحو الإصلاح إذا ما توفرت متطلباتها». وطالب الحكيم في بيان الحكومة العراقية بـ«إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وتهيئة الأجواء المناسبة وفي مقدمتها (الأمن الانتخابي) الذي يؤمّن للجميع المشاركة الفعالة بعيداً عن أجواء اليأس والإحباط». ودعا القوى السياسية والمرشحين إلى «التنافس الشريف وعرض برامجهم الانتخابية للجمهور».