خالد عمر بن ققه
في مؤتمر صحفي على الجانب المصري من معبر رفح، حذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من أن “تتحول غزة إلى مقديشو أو هايتي بلا أمن وبلا نظام”.. كان ذلك الاثنين الماضي (9 سبتمبر الجاري)، أي بعد أن دخلت حرب الإبادة في غزة شهرها الثاني عشر.
العبارة القائلة “تحول غزة إلى مقديشو” متداولة على نطاق واسع منذ الأيام الأولى للحرب الجارية في غزة، ولكنها تعمقت أكثر مع الأيام، نتيجة الدمار والخراب والقتل المتواصل.. العبارة بدأت بتحذير أمريكي مبكر لإسرائيل ـ بعد أن دخلت الحرب شهرها الخامس ـ من “فوضى قد تحوّل القطاع إلى مقديشو جديدة”، نتيجة انتشار الفوضى والجوع بسبب منع إسرائيل قوافلَ المساعدات من الوصول إلى القطاع المحاصر، واستهداف الشرطة المسؤولة عن تأمين مرورها.
غير أن التحذير الأمريكي ـ والذي كان أقرب إلى النصيحة والرجاء ـ لم تأخذ به إسرائيل، بل أنها ذهبت إلى توسيع نطاق الحرب من خلال إطلاق النار على طالبي المساعدات، وقتل المئات، الأمر دفع مراسل أكسيوس السياسي باراك رافيد إلى القول: “كانت إدارة بايدن تحذّر إسرائيل، منذ أسابيع، من أن غزة تتحول إلى مقديشو. وما حدث اليوم، يظهر أنها بالفعل صارت كذلك”.
ثم انتقل الأمر في الخطاب الإعلامي العالمي، إلى إقرار بـ” صوملة غزة”، في محاولة لاستحضار ماضي مدينة مقديشو، وهي تجربة أليمة بالنسبة لأهلها، وللبشرية أيضا بما فيها القوى الاستعمارية التي أسهمت في إذكاء الحرب هناك، كونها تحولت إلى واحدة من أخطر المدن في العالم، وكان من الضروري التفكير في النهايات التي ستؤول إليها غزة، وربما لهذا السبب، حذّر توماس فريدمان من أن مسار الحرب يهدد بخلق واحدٍ من سيناريوهين في غزة: “حكم ضعيف لحماس أو أرض عصابات شبيهة بالصومال على البحر الأبيض المتوسط”.
إسرائيل، كما هو واضح، ترفض وجود حماس في غزة، حتى لو كانت مدنية ومسالمة، بل إنها بهجومها المتواصل على الضفة الغربية، لا تريد” “وجود السلطة الوطنية الفلسطينية”، أي أنها تتراجع على كل الاتفاقات الدولية السابقة، والسؤال هنا: هل هي قادرة على انهاء الوجود العسكري والسياسي والمدني للفلسطينيين على أرضهم المحتلة؟
كل المعطيات الراهنة تشير إلى أن إسرائيل بقيادة بنيامين نتانياهو تتجه نحو تحويل غزة إلى مقديشو، ولكن هذا لن يجعلها في أمان، ليس فقط لأن المقاومة لن تقبل بهذا الواقع، وإنما لأن الداخل الإسرائيلي يرفض تقديم الثمن لحرب وهمية تكلفتها عالية على المستويين المادي والبشري، ناهيك عن استنزاف للجيش في حرب تؤدي بإسرائيل إلى مزيد من العزلة، رغم الدعم الأمريكي.
وبعيداً عن التخويف، في وقت لا يقر فيه الغرب بمسؤوليته التاريخية نحو ما يحدث في فلسطين اليوم، فإنه من الظلم والتزييف مواصلة المقارنة بين ما يحدث في فلسطين ـ خاصة غزة ـ وما حدث في الصومال في تسعينيات القرن الماضي، ثم هايتي في وقت لاحق، للحكم على الدولة الفلسطينية قبل قيامها أو الاعتراف بحل الدولتين، لجهة الحديث عن تكرار” نموذج الدولة الفاشلة”، ومع ذلك فإن الفشل في غزة بوجود حماس، أفضل لإسرائيل، وربما لهذا قال الكاتب توماس فريدمان:” لو كنت مكان إسرائيل لفضلت حماس الضعيفة على الصومال”.
من ناحية أخرى، فإن الغرب يحذر من “صوملة غزة”، لكن دون أن يُسْهم في منع ذلك أو التخفيف من حدتها بمواقف حاسمة، بل أن بعض دُوَله، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على” تمكين الفشل” لاعتقادها أن ذلك لصالح إسرائيل، وبالتأكيد أن هذه الأخيرة خاسرة لا محالة، مثلما أن صوملة غزة لن تقبل بها دول الجوار.