مجددا عاد رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي إلى ذاكرة العراقيين بمرور الذكرى السنوية الأولى على غياب حكومته من المشهد السياسي وإجبار زخم ساحات احتجاج أكتوبر/تشرين الأول على تقديم استقالته، متحملا مسؤولية سريان نهر دم آلاف القتلى والجرحى من المتظاهرين.
تساؤلات مثيرة
رافقت مرحلة الاستقالة والتي أعلن عنها نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2019 -وما بعدها- تساؤلات مثيرة أبرزها ما يتعلق بتأثير الصراع الإقليمي والدولي الإيراني الأميركي منه خاصة على هذا الأمر، وهل أصبح عبد المهدي ضحيّة الصراع الدائر وهو المتهم بتوجيه فوهة أسلحة القنص نحو المتظاهرين؟ يقابلهما سؤالان مهمان: لماذا لم تُوقف مرحلة ما بعد عبد المهدي نزف الدم العراقي؟ ولماذا نجحَ الغضب الجماهيري بتنحيته دون رئيسي الجمهورية برهم صالح والبرلمان محمد الحلبوسي؟
انطلقت الشرارة الأولى لاحتجاجات أكتوبر/تشرين الأول بمطالب خدمية انطلاقا من مفهومها الشامل بحتمية إزالة الطبقة السياسية برمتها لفسادها المستشري في كافّة المفاصل بعيدا عن الاستهداف الشخصي، لكن بعد توجيه أسلحة القنص نحو المتظاهرين -حسب الناشط البارز بساحة التحرير في بغداد سلام الحسيني- باتت استقالة الحكومة برئاسة عبد المهدي ضرورية ولا رجعة عنها وفي مقدمة مطالب المتظاهرين.
التأثير الإقليمي والدولي
مع استمرار نزف الدم، رفعت ساحات الاحتجاج سقف مطالبها بمطالبتها بانتخابات مبكرة بعد استقالة عبد المهدي التي تمهد بدورها للتصويت على قانون انتخابي جديد، وجاءت هذه الأحداث متتالية حسب أهميتها وتأثيرها الزماني والمكاني -يقول الحسيني- وباتت احتجاجات تشرين لا تتلاءم مع جسد النظام السياسي الحالي، مما جعلها في معركة وصراع مع كل الأطراف والقوى التي بيدها زمام السيطرة والقرار العراقيين.
وتحوّلت الانتفاضة إلى حالة اجتماعية حتمية انبثقت من معاناة حكم فاسد متراكم منذ 17 عاما، إلا أنه لا يمكن إنكار أو إغفال التأثير الإقليمي والدولي المتداخل في صنع القرار العراقي سواء كان إيرانيا أو أميركيا، فبالتالي كل ما يحدث ناتج عن الصراع الدائر بين الطرفين، حسب رد الحسيني على سؤال للجزيرة نت فيما إذا كانت استقالة عبد المهدي جاءت نتيجة تأثيرات الصراع الأميركي الإيراني.
ووصف عبد المهدي برئيس لحكومة القناصين في ظل سقوط المئات قتلى والآلاف جرحى خلال الاحتجاجات التي شهدها العراق، مطالبا بمحاسبته ومؤكدا أن المحتجين لن يتنازلوا عنه.
عبد المهدي والكاظمي
ولا يختلف عضو مجلس النواب كاظم الشمري إلى حد ما مع رأي الحسيني حول تأثير التدخلات الدولية والإقليمية على استقالة عبد المهدي، باستغلالها الإخفاقات المتوارثة من الحكومات السابقة، وهذا ما مهّد لها التدخّل على خط المظاهرات وتحريف المطالب إلى إقالة عبد المهدي، لتأتي بانتخابات مبكرة، والأخيرة لم تكن ضمن أجندة مطالب المتظاهرين في البداية.
لم يكتف الشمري بتوجيه تهمة التقصير لحكومة عبد المهدي لعدم محاسبتها قتلة المتظاهرين وتشكيل محكمة خاصة بهذا الأمر فحسب، بل ذهب الى الإشارة إلى واحدة من أبرز سلبيات التي سُجلت على رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي بأنه لم يشكّل محكمة خاصة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، معتبراً في حديثه للجزيرة نت أن هذا الأمر من أولى المطالب التي طالب بها المحتجون ولم ينفذ.
ووسّع النائب حديثه بوجود تباطؤ واضح في ملف محاسبة قتلة المتظاهرين الذين يسرحون ويمرحون بل باتوا يهددون الناشطين المدنيين في ساحات التظاهر بالقتل والاختطاف وما شابه، وهذا ما يمكن اعتباره خللا كبيرا في أداء الكاظمي وحكومته.
ضحية وجلاد
بدوره يردّ المحلل السياسي د. محمد نعناع على سؤال للجزيرة نت: هل كان عبد المهدي ضحيّة الصراعات وجلاد الاحتجاجات في ذات الوقت، بالقول إنه ليس ضحية الصراع الأميركي والإيراني فحسب، بل أصبح ضحية قوى سياسية عراقية كالبناء والإصلاح، وبدرجة أقل تحالفي “الفتح، سائرون”. وعلى مستوى الشخصيات هو ضحية زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم تحالف “الفتح” هادي العامري.
وما يثير دهشة المحلل السياسي واستغرابه قول عبد المهدي بعدم معرفته بكثير من عمليات القتل والاغتيال التي استهدفت المتظاهرين وتنفذها جماعات مسلحة، إضافةً لتعيين أشخاص بمكتبه دون امتلاكه أدنى معلومات عن ذلك، وحدث إثر ذلك احتقان وامتعاض لدى الشعب، مما جعله ضحيةً وجلاداً في آن واحد، فهو المسؤول عن هذه الاستهدافات وفقاً للمهام الذي أوكله بها البرلمان.
صالح والحلبوسي
ويميط نعناع اللثام عن “طبخة” مفاوضات كانت تنجز للوصول إلى اتفاق بين واشنطن وطهران لتخفيض النفوذ الإيراني مقابل الاستمرار بالعملية السياسية وبقاء عبد المهدي في منصبه، مستذكراً نفس السيناريو في الحكومة الثانية زمن المالكي عندما أطفأت المفاوضات الأميركية الإيرانية نيران المظاهرات ومنعت سحب الثقة عنه، إلا أن موجات تشرين أحرقت “الطبخة” الإيرانية الأميركية ولم تعط فسحة أمل بسيطة جداً لبقاء عبد المهدي في منصبه.
وخدم انسجام رئيس الجمهورية وبدرجة أقل رئيس البرلمان مع مطالب ساحات التظاهر واستجابتهما لضرورة الانتخابات المبكرة البقاء في منصبهما، وإبعاد أضواء ساحات الاحتجاج عنهما إلى حد ما، عكس عبد المهدي الذي كانت إقالته أحد المطالب الرئيسية، كما يقول نعناع في رده على سؤال الجزيرة نت حول أسباب اقتصار مطالبات الإقالة وانحصارها نحو رئاسة الوزراء دون الجمهورية والبرلمان.
وختم المحلل السياسي حديثه بالإشارة إلى أن عدم تورط صالح والحلبوسي بقتل المتظاهرين، والسماح بتمدد النفوذ الإيراني، كما حدث مع عبد المهدي، إضافةً إلى وجود بنود دستورية ومسار قانوني، كلها عوامل صعّبت الطريق نحو إقالتهما والمجيء ببدائل عنهما، مع صعوبة اتفاق القوى السياسية على مرشحين بشكل أسرع من الحكومة.