المصدر: النهار العربي رستم محمود
برلمان إقليم كردستان العراق.
A+A-فيما تتصاعد الأزمات بين السلطات المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق، في مختلف الملفات الاقتصادية والدستورية والسياسية، ترتفع الأصوات الكردية التي ترى في منهجية تعامل السلطات المركزية مع الإقليم توجهاً لتقويض سلطاته وحقوقه الفيدرالية والعودة إلى النظام المركزي، فعلياً في مرحلة أولى، وتثبيتها دستورياً وسياسياً في مراحل لاحقة. تأخر إقرار الموازنة العامة للبلاد، وتشدّد الأغلبية البرلمانية المؤيدة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في البنود الخاصة بحصة إقليم كردستان، شكلا أولى الإشارات إلى ذلك، وفق مراقبين. حدث ذلك رغم الاتفاق السياسي المسبق الذي عقده الحزبان الكرديان الرئيسيان مع القوى السياسية المركزية التي على أساسها تشكلت الحكومة العراقية، مع موافقة القوى السياسية الكردية ضمن اللجنة المالية في البرلمان على شروط القوى السياسية الشيعية، بما في ذلك خفض حصة إقليم كردستان من 17 في المئة إلى 12.67 في المئة من الموازنة العامة، واستجابة الإقليم لشرط تصدير 400 ألف برميل يومياً لمصلحة مؤسسة تصدير النفط الوطنية “سومو”، وبحسب أسعارها وسياستها، ووضع تلك الأموال في حساب بنكي خاضع لمراقبة السلطة المركزية. ضغوط متواصلةالفروض الجديدة من أعضاء اللجنة المالية البرلمانية تضاعفت خلال الأسبوعين الماضيين، مطالبة بإبراز الإقليم حساباته النهائية، وكشف مختلف سياساته المالية، والخضوع للمراقبة المركزية، ودفع المستحقات المتأخرة لموظفي الإقليم لدى حكومة الإقليم. كانت الأمور تسير وفق السياقات المتفق عليها، إلى أن ضغطت جهات سياسية عراقية على اللجنة المالية في مجلس النواب، إذ ذهبت إلى تعديل المادتين 13 و14 من مشروع قانون الموازنة العامة، لتصير على العكس تماماً مما كانت عليه في القانون المقدم من الحكومة، وتُحجّم تماماً من قدرة حكومة الإقليم الاقتصادية، في وقت قبلت الحكومة قرار محكمة باريس، وأوقفت تصدير النفط عن طريق تركيا، ما أفقدها أكثر من 90% من مواردها الذاتية. الباحث شفان رسول شرح في حديث إلى “النهار العربي” الأدوات الثلاث التي تستخدمها الأحزاب والسلطات المركزية لإعادة تشكيل العلاقة مع إقليم كردستان، وقال: “في الوقت الذي تتخيل وتفترض القوى السياسية أنها تملك البرلمان المركزي، ومعه الجيش والمحكمة الاتحادية والحكومة المركزية وتملك الشرعية في تطبيق مختلف التشريعات والقوانين والسياسات، من دون أي ضوابط مراعية وخاضعة لاعتبارات الفيدرالية، مثلما فرضها الدستور العراقي، فإن عوامل القوة الأخرى كلها مملوكة للقوى السياسية والسلطات المركزية. فإقليم كردستان ليس له أي منفذ بحري، وتالياً مجبر على الخضوع للسلطة المركزية في سياساته الاقتصادية. كذلك لا يملك إقليم كردستان أي قوة عسكرية أو ديموغرافية تستطيع أن تكبح تطلعات القوى السياسية لعودة المركزية. فوق الأمرين، فإن تقويض السلطات الفيدرالية في إقليم كردستان يحظى بمباركة من مختلف الدول الإقليمية، بالذات إيران وتركيا”. “عدم دستورية” عمل البرلمانالضغوط المالية من الحكومة المركزية ترافقت مع قرارات جديدة من المحكمة الاتحادية العراقية، التي أعلنت في أوائل الشهر الجاري “عدم دستورية” استمرار الدورة الخامسة لبرلمان إقليم كردستان، لاغية قراره التمديد لنفسه في الجلسة التي عقدها في 9 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، بعد انتهاء مدته القانونية. المحكمة الاتحادية استجابت لدعوى رفعها رئيس حزب “الجيل الجديد” المعارض في إقليم كردستان شاسوار عبد الواحد، المعروف بقربه من القوى السياسية الشيعية في العراق، وبعلاقات جيدة بإيران. عبد الواحد كان قد رفع قضية أخرى ضد رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، معتبراً إياه فاقداً لشرعية الحكم.
المحكمة الاتحادية ألغت شرعية البرلمان الحالي، واعتبرت كل القرارات الصادرة عنه بعد آخر جلسة “شرعية” “باطلة من الناحية الدستورية”، فيما صارت حكومة إقليم كردستان “حكومة تصريف أعمال”. الكاتب فرسو بيستون شرح في حديث إلى “النهار العربي” كيف أن المحكمة الاتحادية العراقية صارت تتصرف كجهة سياسية معروفة التوجهات سلفاً، لا كحَكَم بين السلطات ومطبق للدستور. وقال: “دستورياً، تُعتبر القرارات والتشريعات الصادرة عن برلمان إقليم كردستان متفوقة على ما يناظرها مركزياً، في حال وجود اعتراض بينهما، والمحكمة الاتحادية لم تراعِ ذلك خلال عشرات الأحكام المناهضة لفيدرالية إقليم كردستان. كذلك فإن المادة 121 من الدستور العراقي تعتبر برلمان إقليم كردستان سيد نفسه، يملك الحق بممارسة صلاحياته القانونية وإصدار القوانين، وفقاً للاحتياجات السياسية والمؤسسية”. الأصوات الكردية، السياسية والاجتماعية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، تذكر أوضاع الفلاحين في كركوك خلال الشهور الماضية الذين تُطبق عليهم القرارات والقوانين التي أصدرتها مؤسسات النظام السابق، من دون أي اعتبار أو تحقيق لمبدأ التوازن في إدارة المناطق المتنازع عليها، بين الحكومة المركزية وسلطات إقليم كردستان، كما تنص المادة 140 من الدستور العراقي، وإلى جانبها عشرات السياسات والقرارات المركزية المُحجّمة لسلطات إقليم كردستان.