مراقبون ينصحون بالابتعاد عن حرب إقليمية وسرعة إنهاء المعارك بين إسرائيل و”حماس”
قال ناطق باسم البيت الأبيض، اليوم الإثنين، إن الولايات المتحدة تعمل على الرد “بالطريقة الملائمة” على الهجوم بمسيرة على قاعدة في الأردن أدى إلى مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين، وذلك بعدما اتهم الرئيس جو بايدن فصائل مدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم.
وأشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” إلى أن الرئيس بايدن “سيرد” على هجوم أمس الأحد “بالطريقة الملائمة”.
أضاف، “لكننا لا نسعى إلى حرب مع إيران. لا نريد نزاعاً أوسع في الشرق الأوسط”.
وتعهد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الاثنين بأن الولايات المتحدة ستتخذ “كل الإجراءات الضرورية” للدفاع عن القوات الأميركية، معبراً عن غضبه وأسفه للضربة على قاعدة الأردن.
وقال أوستن في مقر وزارة الدفاع، “دعوني أبدأ بالتعبير عن غضبي وأسفي لمقتل ثلاثة جنود أميركيين شجعان في الأردن وعلى الجنود الآخرين الذين أُصيبوا”. وأضاف، “لن نتسامح أنا والرئيس مع الهجمات على القوات الأميركية وسنتخذ كل التحركات الضرورية للدفاع عن الولايات المتحدة وقواتنا”.
ضغوط متواصلة على بايدن
أدى مقتل الجنود الأميركيين وإصابة عشرات آخرين أمس الأحد على يد مسلحين مدعومين من طهران إلى زيادة الضغوط السياسية على الرئيس الأميركي لتوجيه ضربة مباشرة لإيران، وهي خطوة يتردد في اتخاذها خوفاً من إشعال فتيل حرب أوسع نطاقاً.
يقول المراقبون إن خيارات الرد أمام بايدن يمكن أن تراوح ما بين استهداف قوات إيرانية في الخارج وحتى داخل إيران أو اختيار تنفيذ هجوم انتقامي أكثر حذراً ليقصر على استهداف مسلحين مسؤولين عن الهجوم مدعومين من طهران.
وتعرضت القوات الأميركية في الشرق الأوسط للهجوم أكثر من 150 مرة من قوات تدعمها إيران في العراق وسوريا والأردن وقبالة سواحل اليمن منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس” في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
لكن حتى هجوم أمس الأحد على موقع ناء يعرف باسم “البرج 22” قرب الحدود الشمالية الشرقية للأردن مع سوريا، لم تكن الضربات قد تسببت في مقتل جنود أميركيين أو إصابات كثيرة. وأتاح ذلك لبايدن مساحة سياسية لتوزيع وطأة الرد الأميركي بإلحاق خسائر بقوات مدعومة من إيران من دون المخاطرة بحرب مباشرة مع طهران.
وقال بايدن إن الولايات المتحدة سترد من دون تقديم مزيد من التفاصيل.
واتهم الجمهوريون بايدن بالسماح بأن تصبح القوات الأميركية أهدافاً سهلة في انتظار إفلات طائرة مسيرة أو صاروخ من دفاعات القواعد العسكرية. ويقولون إن ذلك اليوم جاء أمس الأحد، عندما انفجرت طائرة مسيرة ملغومة قرب ثكنات القاعدة في وقت مبكر من الصباح.
ورداً على ذلك، يقولون إن على بايدن هذه المرة أن يضرب إيران.
وقال السيناتور الجمهوري توم كوتون “لقد ترك قواتنا أهدافاً سهلة… الرد الوحيد على هذه الهجمات يجب أن يكون انتقاماً عسكرياً مدمراً ضد القوات الإرهابية الإيرانية في إيران وفي أنحاء الشرق الأوسط”.
كما دعا النائب الجمهوري مايك روغرز، الذي يترأس لجنة الرقابة العسكرية الأميركية في مجلس النواب، إلى اتخاذ إجراء ضد طهران.
وقال روغرز “مر وقت طويل بالفعل، فليقم الرئيس بايدن أخيراً بمحاسبة النظام الإيراني الإرهابي وحلفائه المتطرفين على الهجمات التي نفذوها”.
ووصف الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يأمل في مواجهة بايدن في الانتخابات الرئاسية هذا العام، الهجوم بأنه “نتيجة لضعف جو بايدن واستسلامه”.
بدورها، أكدت إدارة بايدن أنها تبذل قصارى جهدها لحماية القوات الأميركية في جميع أنحاء العالم.
وعبرت سياسية ديمقراطية علانية عن قلقها من فشل استراتيجية بايدن لاحتواء الصراع بين إسرائيل و”حماس” ضمن نطاق قطاع غزة.
وقالت النائبة الديمقراطية باربرا لي “كما نرى الآن، الأمر يخرج عن نطاق السيطرة. وبدأ يظهر كحرب إقليمية ولسوء الحظ فإن هذا يجعل الولايات المتحدة وقواتنا عرضة للأذى”. وجددت الدعوات إلى وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس”.
ليس بهذه البساطة
بدوره، عارض النائب الديمقراطي سيث مولتون، الذي خدم أربع فترات في العراق كجندي في مشاة البحرية، دعوات الجمهوريين للحرب قائلاً “الردع صعب والحرب أسوأ”.
وقال مولتون “إلى الصقور الجبناء الذين يدعون إلى الحرب مع إيران، أفعالكم تصب في صالح العدو وأود أن أراكم ترسلون أبناءكم وبناتكم للقتال… يجب أن يكون لدينا رد فعل استراتيجي فعال وفقاً لشروطنا وجدولنا الزمني”.
ويحذر خبراء من أن أي ضربات ضد القوات الإيرانية داخل إيران قد تجبر طهران على الرد بقوة بما يصعد الموقف بطريقة قد تجر الولايات المتحدة إلى حرب كبرى في الشرق الأوسط.
وقال مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد جوناثان لورد إن الضرب مباشرة داخل إيران من شأنه أن يثير تساؤلات لدى طهران في شأن بقاء النظام.
أضاف لورد “عندما تفعل الأمور علناً فإن ذلك يشكل تصعيداً كبيراً بالنسبة إلى الإيرانيين”.
من جانبه، أوضح تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، أن الرد المحتمل سيكون استهداف موقع مهم أو قيادي بارز في جماعات مدعومة من إيران في العراق أو سوريا.
وتابع “ما حدث هذا الصباح كان على مستوى مختلف تماماً عن أي شيء فعله هؤلاء الوكلاء في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية. (لكن) على رغم كل الدعوات إلى فعل شيء ما داخل إيران، لا أرى أن هذه الإدارة ستبتلع هذا الطعم”.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية طلب عدم ذكر اسمه إن من غير الواضح ما قد تكون عليه التأثيرات الثانية والثالثة التي ستترتب على ملاحقة إيران.
وقال المسؤول “إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لحرب شاملة، فما الذي ستحققه لنا مهاجمة إيران؟”.
ومع ذلك، يعترف لورد وخبراء آخرون بأن إسرائيل ضربت أهدافاً إيرانية في سوريا على مدى سنوات من دون أن يوقف ذلك إيران، بما في ذلك قتل أربعة مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني في دمشق في الـ20 من يناير (كانون الثاني) الجاري.
وضربت الولايات المتحدة أهدافاً مرتبطة بإيران خارجها في الأشهر القليلة الماضية. وقال الجيش الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) إنه ضرب منشأة لا تستخدمها جماعة مدعومة من إيران فحسب بل الحرس الثوري الإيراني نفسه أيضاً.
لكن ليستر يقول إن الولايات المتحدة استهدفت إيرانيين خارج بلدهم من قبل، مثل عملية في 2020 استهدفت قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني ولم ترد طهران إلا خلال فترة زمنية محدودة.
وقال ليستر “لذا إلى حد ما، إذا وجهت ضربة قوية وعلى مستوى عال بما يكفي، فلدينا سجل سابق يظهر أن إيران يمكنها أن تتراجع أولاً”.
نفي إيراني
نفت إيران ضلوعها في الهجوم، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إيرنا”.
ونقلت الوكالة عن المتحدث باسم الوزارة ناصر كنعاني قوله إن “هذه الاتهامات غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق في المنطقة”، وذلك تعقيباً منه على بيان لوزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون دعا فيه طهران إلى “وقف التصعيد” في المنطقة.
أضاف كنعاني أن هذه الاتّهامات “تُظهر تأثّرها بأطراف ثالثة، بما في ذلك النظام الصهيوني قاتل الأطفال”، وتابع المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية “سبق أن قلنا بوضوح إن جماعات المقاومة في هذه المنطقة تردّ على جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الصهيوني”، وهي “لا تأتمر” بأوامر إيران و”تقرر أفعالها بناء على مبادئها الخاصة”.
ويشكل الصراع في الشرق الأوسط تحدياً لبايدن في عام انتخابي، حيث يسعى عديد من السياسيين الجمهوريين إلى استغلال هجمات كهذه لتسجيل نقاط سياسية، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترمب الذي وصف الوضع بأنه “نتيجة لضعف جو بايدن واستسلامه”.
وهذه المرة الأولى التي يقتل فيها عسكريون أميركيون بنيران معادية منذ بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس” في قطاع غزة. ويفاقم الهجوم التوترات في المنطقة ويغذي المخاوف من توسع نطاق الحرب إلى نزاع يشمل إيران بصورة مباشرة.
موقع متقدم على الحدود مع سوريا
من جانبه، قال الأردن إنه “يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف موقعاً متقدماً على الحدود مع سوريا”. وفي أول بيان رسمي بعد الهجوم، قال الأردن الحليف الوثيق لواشنطن إنه يعمل مع الولايات المتحدة لمحاربة “الإرهاب”.
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين في البيان أن “الهجوم الإرهابي لم يؤدِ إلى أي إصابات في صفوف القوات المسلحة” الأردنية.
وأعرب مبيضين عن “تعازي الأردن للولايات المتحدة بضحايا الهجوم الذي نفذ بطائرة مسيرة، وتمنياته للجرحى بالشفاء”. وأكد أن “الأردن سيستمر في مواجهة خطر الإرهاب وتهريب المخدرات والسلاح عبر الحدود السورية إلى الأردن، وسيتصدى بكل حزم واقتدار لكل من يحاول الاعتداء على أمن الأردن”.
وبحسب البيان الحكومي فإن “الأردن كان قد أعلن سابقاً أنه يتعاون مع شركائه لتأمين الحدود، وطلب من الولايات المتحدة ودول أخرى تزويده أنظمة عسكرية والمعدات اللازمة لزيادة القدرات على تأمين الحدود ومواجهة الأخطار عبرها”.
وكان مبيضين، وهو وزير الإتصال الحكومي أعلن في وقت سابق أن الهجوم على القوات الأميركية وقع داخل الأراضي السورية قرب حدود المملكة. وقال الوزير لقناة “المملكة” الرسمية إن “الهجوم الذي استهدف القوات الأميركية قرب الحدود السورية لم يقع داخل الأردن”، موضحاً أن “الهجوم استهدف قاعدة التنف في سوريا”.
تعزيز الدفاعات
وأكد مصدر أمني أردني كبير لـ”رويترز” أن الأردن طلب في الآونة الأخيرة من الولايات المتحدة إرسال مزيد من الدعم والعتاد الدفاعي المتقدم بسبب المخاوف من انخراط إيران ووكلائها في أي صراع أوسع في الشرق الأوسط.
وأضاف المصدر أن الأردن لفت أنظار واشنطن أخيراً إلى الحاجة الملحة لتعزيز دفاعاته ضد الجماعات المدعومة من إيران التي تزداد قوتها على حدود الأردن مع العراق وسوريا.
ويشعر الجيش الأردني والمؤسسة الأمنية في المملكة بقلق متزايد من أن تستغل الفصائل الإيرانية، التي تسيطر الآن على جنوب سوريا، حرب غزة لاختراق الأردن أمنياً.
وزاد نفوذ إيران في سوريا منذ أن ساعد حلفاء طهران، ومنهم جماعة “حزب الله” اللبنانية، الرئيس السوري بشار الأسد في قمع المعارضة المسلحة التي اندلعت في عام 2011.
تهريب المخدرات
وتسيطر فصائل مسلحة مدعومة من إيران على الحدود الجنوبية لسوريا مع الأردن، وتتهم عمان هذه الفصائل وإيران بتهريب المخدرات في هذه المنطقة.
ويقول بعض المسؤولين الأردنيين إن الفصائل الموالية لإيران في العراق وسوريا تستخدم أيضاً تجارة المخدرات لزيادة الضغط على الأردن، الحليف القوي للولايات المتحدة والذي يستضيف المئات من أفراد القوات الأميركية.
وطلب الأردن أيضاً من واشنطن تزويده أنظمة الدفاع الجوي (باتريوت) بسبب قلقه المتزايد من الوقوع في مرمى النيران إذا أدت الحرب في غزة إلى استقطاب إيران وفصائلها المسلحة في المنطقة إلى حدود المملكة.
ويعد وجود القوات الأميركية في الأردن مسألة حساسة في بلد ترتفع فيه المشاعر المعادية للولايات المتحدة بسبب دعم واشنطن لإسرائيل في حربها ضد حركة “حماس”.
ووقعت الحكومة الأردنية اتفاقاً مع الولايات المتحدة في المجال العسكري في يناير (كانون الثاني) 2021 يتيح للقوات الأميركية “الوصول دون عوائق” إلى عدة منشآت عسكرية أردنية.
إدانات عربية
وندد العراق بالهجوم داعياً إلى “وقف دوامة العنف” في المنطقة، وجاء في بيان للمتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي “في الوقت الذي يدعو فيه العراق إلى وقف دوامة العنف، فإنه يؤكد استعداده للعمل على رسم قواعد تعامل أساسية تجنب المنطقة المزيد من التداعيات، والحيلولة دون اتساع دائرة الصراع”.
وأكدت مصر في بيان الأحد إدانتها الشديدة لأي “أعمال إرهابية” تهدد أمن الأردن واستقراره.
بدورها، أعربت البحرين عن إدانتها الشديدة للهجوم، مؤكدة تضامنها الراسخ مع الأردن وتأييده ودعمه في جهوده المستمرة ضد الإرهاب.
وعلى حسابها في “تيليغرام” تبنت ما يسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” التي تضم فصائل عدة موالية لإيران “هجمات شنت فجر الأحد بمسيرات” على ثلاث قواعد، بينها التنف والركبان.
واستهدفت القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم “داعش” المنتشرة في العراق وسوريا بأكثر من 150 هجوماً منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، وفق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ونفذت واشنطن ضربات انتقامية في كلا البلدين.