في كل مرة تحتدم المواجهة الإعلامية والعسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، تتصاعد المخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة. لكن التجربة أثبتت أن التهديدات المتبادلة لا تعني بالضرورة الحرب، بل على العكس، غالبًا ما تكون مقدمة لجولة جديدة من المفاوضات، حيث يستخدم الطرفان التصعيد كأداة ضغط قبل الجلوس على الطاولة.
بين التصعيد والتفاوض.. لعبة تكررت مرارًا
السياسة الأمريكية والإيرانية تعتمد على نهج “حافة الهاوية”، حيث يدفع كل طرف بالتصعيد إلى أقصى حد ممكن دون الانزلاق إلى مواجهة فعلية. التصريحات النارية، التحشيدات العسكرية، والمناورات في الخليج ليست سوى أوراق ضغط لتعزيز المواقف التفاوضية.
من الاتفاق النووي لعام 2015 إلى جولات التوتر المتلاحقة في الخليج والعراق وسوريا، يتضح أن كل تصعيد كان في النهاية يمهد لمفاوضات، بغض النظر عن مدى حدّته أو التهديدات المرافقة له. واليوم، مع عودة التصعيد، يبدو أن السيناريو نفسه يتكرر.
لماذا لا يريد الطرفان الحرب؟
رغم التصعيد الحاد، يظل خيار الحرب مكلفًا وغير مرغوب فيه لكلا الجانبين:
الولايات المتحدة تسعى إلى تقليل التورط العسكري في الشرق الأوسط، خاصة في ظل التحديات الكبرى مع الصين وروسيا، كما أن أي حرب مع إيران قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط وإرباك الأسواق العالمية.
إيران تواجه أزمات داخلية، وضغوطًا اقتصادية، ولا يمكنها المخاطرة بمواجهة عسكرية قد تهدد بقاء النظام نفسه، خاصة في ظل الاحتجاجات الشعبية والعقوبات الخانقة.
إلى أين يتجه التصعيد؟
كل المؤشرات تشير إلى أن هذا التصعيد، مهما بدا خطيرًا، لن يخرج عن كونه تمهيدًا لجولة جديدة من المفاوضات. ومع ارتفاع حدة التهديدات، قد نشهد قريبًا تحركات دبلوماسية خلف الكواليس، سواء عبر وسطاء إقليميين أو من خلال قنوات سرية بين واشنطن وطهران.
نهاية حقبة العناد الإيراني؟
التحولات الدولية والإقليمية المتسارعة تؤكد أن إيران لم تعد قادرة على الاحتفاظ بموقعها بنفس أدوات الماضي، وأن المعادلة الجديدة تفرض عليها واقعًا مختلفًا. قد تحاول طهران المراوغة لكسب الوقت، لكن كل المؤشرات تدل على أن هامش المناورة بات ضيقًا، وأنها أمام لحظة حاسمة بين التنازل الطوعي أو فرض التغيير عليها بالقوة.
السؤال الآن: هل يستوعب النظام الإيراني هذه الحقيقة قبل فوات الأوان، أم أنه سيظل رهينة حسابات خاطئة تقوده إلى مصير محتوم؟
النتيجة الحتمية: التفاوض بعد التوتر
في النهاية، وكما حدث سابقًا، التصعيد اليوم ليس إلا مقدمة لاتفاق جديد غدًا. فطبول الحرب قد تُقرع بصخب، لكن في السياسة، الصوت العالي لا يعني بالضرورة المعركة، بل ربما يكون مجرد تمهيد لحوار قادم، قد يكون وشيكًا أكثر مما نتوقع.