صار طبيب الأسنان الفلسطيني نجدت صقر يعالج مرضاه في خيمة بمخيم النصيرات وسط هدير الطائرات المسيّرة الإسرائيلية وأصوات إطلاق النار، مستخدماً ما تبقى من معدّات عيادته التي دمّرتها الحرب في وسط قطاع غزة.
يعلّق الطبيب جميع شهاداته المهنية على الحائط لطمأنة مرضاه، ومعدّاته حديثة وإن كانت موضوعة على لوح بلاستيكي على الرمال. يقول نجدت صقر (32 عاماً) إنّه اضطر إلى التخلّي عن مركزه الطبي في دوار النصيرات في وقت مبكر من الحرب بعد “استهدافات عدّة” إسرائيلية “أدت لأضرار جسيمة في عيادتي”. دمّر القصف جزءاً كبيراً من العيادة، وأظهر طبيب الأسنان لوكالة “فرانس برس” على جهازه اللوحي كيف اخترقت الشظايا بابها الحديد. ولكن مع استمرار الحرب وانهيار النظام الصحّي في غزة، عاد صقر لمحاولة استعادة ما في وسعه لمساعدة الأشخاص الذين يأتون إليه شاكين من آلام الأسنان. يضيف “أغلب أطباء الأسنان سافروا خارج البلد والآخرون عياداتهم تضرّرت وليسوا قادرين على فتحها، فخطرت لي فكرة خيمة الأسنان”. ولتجسيد الفكرة “ذهبت للمركز واستصلحت كرسياً من الكراسي ونقلته بواسطة توك توك إلى هنا وأنشأت خيمة واستصلحت الأجهزة والمواد والأدوات”. رغم القتال الدائر على مسافة غير بعيدة من عيادته البديلة في النصيرات، يحافظ صقر على برودة أعصابه، ويهدئ صبياً صغيراً يعالجه بينما يغطي هدير الطائرات المسيّرة على صوت حفارة الأسنان.
“غالية جدّاً”يوضح الطبيب أن “أكبر المعوقات التي تواجهني في الخيمة هي توفير الكهرباء والمياه ومواد الأسنان، فهي غير متوافرة للأسف وحتى لو توافرت تكون بأسعار خيالية غالية جدّاً”.
وتحذّر الأمم المتحدة من أن النظام الصحّي في غزة على وشك الانهيار، إذ لم يعمل أي من مستشفيات القطاع بكامل طاقته خلال الشهرين الماضيين. ويدور قتال عنيف منذ أسابيع حول عدد من المستشفيات التي كانت أيضاً ملجأ للآلاف الذين فقدوا منازلهم أو فرّوا من القتال. وأعلنت منظّمة الصحّة العالمية السبت أن نحو تسعة آلاف مريض في القطاع الفلسطيني المحاصر بحاجة إلى الإجلاء لتلقي رعاية طارئة.
وقال المدير العام للمنظمة الأممية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عبر منصّة “إكس”: “مع عشرة مستشفيات فقط تعمل بالحد الأدنى في مجمل غزة، لا يزال آلاف المرضى محرومين من الرعاية الصحية”. قبل الحرب كانت غزة تعدّ 36 مستشفى، وفق أرقام منظّمة الصحّة العالمية. اندلعت الحرب إثر هجوم شنّته حركة “حماس” على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وأوقع 1160 قتيلاً معظمهم مدنيون، وفق حصيلة تستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وردّاً على هذا الهجوم، تعهّدت إسرائيل القضاء على “حماس” وباشرت عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة أسفرت وفق وزارة الصحةّ التابعة لـ”حماس” عن مقتل 32705 شخصاً معظمهم من الأطفال والنساء.