نتائج غير متوقعة قد تمهد الطريق لعلاجات أكثر أماناً
كشفت دراسة علمية رائدة أن السمنة لا تؤدي دائماً إلى نفس مخاطر أمراض القلب، إذ توصل باحثون بريطانيون إلى أن تغيرات جينية معينة في الدماغ قد تحمي بعض الأشخاص الذين يعانون من السمنة الشديدة من ارتفاع الكوليسترول والمشكلات القلبية المرتبطة به.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature Medicine في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 وأشرفت عليها البروفسورة صدف فاروقي بمعهد علوم التمثيل الغذائي جامعة كمبريدج المملكة المتحدة. وتركزت أبحاث الفريق العلمي على مستقبل دماغي يُعرف باسم «مستقبل الميلانوكورتين 4» (MC4R) melanocortin 4 receptor وهو مستقبل مرتبط ببروتين G يشارك في تنظيم توازن الطاقة والشهية والوزن والوظيفة الجنسية.
السمنة من دون ارتفاع الكوليسترول
عادة ما ترتبط السمنة بارتفاع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية وانخفاض الكوليسترول النافع (HDL) وهي عوامل تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكنّ الآليات البيولوجية التي تربط السمنة بهذه التغيرات في الدهون ظلت غير واضحة.
> طفرات نادرة. ولفهم العلاقة بشكل أفضل درس الفريق أكبر مجموعة في العالم من الأشخاص الذين لديهم طفرات نادرة تؤدي إلى تعطّل وظيفة جين أو مستقبل الميلانوكورتين، وهي حالة تسبب السمنة المفرطة منذ الطفولة.
وبشكل مفاجئ وجد الباحثون أن البالغين الذين يعانون من نقص مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول الكلي و الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية حتى عند مقارنتهم بأكثر من 300 ألف شخص من نفس العمر وبمؤشر كتلة الجسم من قاعدة بيانات البنوك الحيوية في المملكة المتحدة يمتلكون جيناً طبيعياً.
وقالت فاروقي كانت هذه مفاجأة، فعلى الرغم من السمنة بدا أن الأشخاص الذين لديهم طفرات في مستقبل الميلانوكورتين محميون من ارتفاع الكوليسترول والدهون الذي نراه عادة مع زيادة الوزن.
> إشارات الدماغ تتحكم في تمثيل الدهون. وأظهرت تحليلات إضافية أن حاملي طفرات مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول والدهون الثلاثية ولم تكن هناك أي علاقة بين النقص في هذا المستقبل وزيادة خطر أمراض القلب.
وعند دراسة كيفية استجابة الجسم للدهون بعد وجبة غنية بالدهون لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من نقص في ذلك المستقبل أظهروا ارتفاعاً أقل في البروتينات الدهنية الغنية بالدهون الثلاثية/ وتغيرات تشير إلى زيادة كفاءة تخزين الدهون في الأنسجة الدهنية بدلا من بقائها في الدم.وتشير هذه النتائج إلى أن إشارات الدماغ عبر مستقبل الميلانوكورتين تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم عملية التمثيل الغذائي للدهون. وقد يسهم فهم هذه الآلية في تطوير علاجات جديدة لمشكلات الكوليسترول المرتبطة بالسمنة وأمراض القلب.
خفض «الوزن العنيد»
> «مونجارو» يمنح أملاً جديداً. وفي دراسة مرافقة نُشرت أيضاً في Nature Medicine في 18 سبتمبر (أيلول) 2025 تعاون فريق فاروقي مع شركة ليلي Lilly (وهي شركة أدوية أميركية متعددة الجنسيات) المصنعة لدواء تيرزيباتايد المعروف تجارياً باسم مونجارو Mounjaro لعلاج السكري وإنقاص الوزن.
وبتحليل بيانات التجارب وجد الباحثون أن دواء مونجارو أدى إلى انخفاض في الوزن بنسبة 19 في المائة لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص في مستقبل الميلانوكورتين وهي مجموعة كانت تواجه صعوبة في إنقاص الوزن حتى مع الحميات أو الأدوية الأخرى.
وقالت فاروقي إن هذا اكتشاف مهم، إذ واجه الأشخاص المصابون بسمنة مرتبطة بمستقبل الميلانوكورتين خيارات علاج محدودة لسنوات. وتُظهر نتائجنا أن المونجارو أو (تيرزيباتايد) يمكن أن يكون فعالاً حتى مع وجود هذه الطفرة الجينية.
> اتجاه جديد في أبحاث السمنة وصحة القلب. تسلط الدراستان الضوء على أهمية فهم الآليات الجينية والدماغية للسمنة والتي قد تغير طريقة تعامل الأطباء مع إدارة الوزن وصحة القلب. وبينما تبقى معظم حالات السمنة مرتبطة بمضاعفات أيضية تشير النتائج إلى أن ليست كل أنواع السمنة تحمل المخاطر نفسها وأن دور الدماغ في تنظيم تخزين الدهون والتمثيل الغذائي أعقد مما كان يُعتقد سابقاً.
ويأمل الباحثون أن يساعد فهم كيفية حماية إشارات مستقبل الميلانوكورتين من ارتفاع الكوليسترول في تحديد أهداف علاجية جديدة لاضطرابات الدهون في الدم مما قد يقلل من خطر أمراض القلب لدى الملايين حول العالم.

