المصدر: النهار العربي، رويترز، أ ف ب
قصف إسرائيلي على غزة. (أ ف ب)
اندلعت السبت حرب جديدة بين إسرائيل وقطاع غزة بعد عملية عسكرية مباغتة نفّذتها حركة “حماس” التي أطلقت آلاف الصواريخ وتوغلت في أراضٍ إسرائيلية وأسرت إسرائيليين، في أعنف يوم دموي تشهده إسرائيل منذ حرب يوم الغفران قبل 50 عاماً. وأكّد متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أن الجيش لا يزال يخوض قتالاً مع “حماس” في بعض المناطق بجنوب إسرائيل حتى الساعة 1:30 صباحاً بالتوقيت المحلي (10:30 بتوقيت غرينتش) وأن الوضع في البلاد لا يزال خارج نطاق السيطرة الكاملة.
وأضاف المتحدّث في إفادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن العدد الكبير من المدنيّين والعسكريين الذين أخذتهم “حماس” كرهائن في الهجوم المباغت يوم السبت على بلدات إسرائيلية قريبة من غزة سيشكّل مع ما ستفعله إسرائيل ضد “حماس” مستقبل هذه الحرب.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن مجلس الوزراء الأمني وافق على اّتخاذ خطوات لتدمير القدرات العسكرية والحكومية لـ”حماس” و”الجهاد الإسلامي” “لسنوات عديدة” بما يشمل قطع إمدادات الكهرباء والوقود ودخول البضائع إلى غزة.
بدوره، لفت المتحدّث باسم الجناح المسلّح لـ”حماس” أبو عبيدة في تسجيل بث بعد وقت قصير من منتصف الليل إلى أن العدد الإجمالي للإسرائيليين الذين أسرتهم الحركة “أكثر مما أعلن نتنياهو (رئيس وزراء إسرائيل) بأضعاف مضاعفة”. وأضاف المتحدث أن الأسرى موجودون بكل المحاور في قطاع غزة “وسيجري عليهم ما يجري على أهالي قطاع غزة”.
تفاصيل الهجوم والرد..ردّاً على هجوم “حماس”، نفّذت إسرائيل ضربات قتلت خلالها أكثر من 230 من سكان غزة في واحد من أكثر أيام الضربات الانتقامية تدميراً. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “سننتقم بشدّة لما حدث في هذا اليوم الشرير”.
وأضاف “شنّت حماس حرباً قاسية وشريرة. سننتصر في هذه الحرب ولكن الثمن باهظ للغاية بحيث لا يمكن تحمله.. حماس تريد قتلنا جميعاً. هذا عدو يقتل الأمهات والأطفال في بيوتهم وفي أسرتهم. عدو يخطف كبار السن والأطفال والفتيات المراهقات”. وأشار رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية إلأى أن الهجوم بدأ في غزة وسيمتد إلى الضفة الغربية والقدس.
وسلّط هنية في كلمة له الضوء على التهديدات التي يتعرّض لها المسجد الأقصى في القدس واستمرار الحصار على غزة والتطبيع الإسرائيلي مع دول في المنطقة. وأضاف “كم مرّة حذرناكم أن شعبنا الفلسطيني يعيش منذ 75 عاماً في مخيمات اللجوء وأنتم لا تعترفون بحق شعبنا؟”. وتابع “كان هذا الصبح إشراق عزة شعبنا، وصبح الهزيمة والمذلة والانكسار على عدونا ومستوطناته وجنوده”. وأضاف “هذه المعركة تكشف عمليات الإعداد والتجهيز، وكذلك تكشف هشاشة هذا العدو”. وتناثرت جثث مدنيين إسرائيليين في شوارع سديروت في جنوب إسرائيل بالقرب من غزة محاطة بشظايا زجاجية. وشوهدت جثتا امرأة ورجل على المقعدين الأماميين لإحدى السيارات بينما مرّت مركبة عسكرية بجوار جثتين أخريين لامرأة ورجل كانتا على الأرض وسط بركة من الدماء خلف سيارة أخرى.
وقال شلومي من سديروت “خرجت ورأيت أعداداً كبيرة من جثث الإرهابيين والمدنيّين والسيارات التي تم إطلاق النار عليها. بحر من الجثث داخل سديروت على امتداد الطريق وفي أماكن أخرى. الكثير من الجثث”.
وروى إسرائيليون مذعورون، متحصّنون في غرف آمنة، محنتهم عبر الهاتف في بث تلفزيوني مباشر. وذكرت امرأة تُدعى دورين في تصريحات للقناة 12 الإخبارية الإسرائيلية عبر الهاتف من نير أوز قرب غزة أن مسلحين تسلّلوا إلى منزلها وحاولوا فتح الملجأ الذي كانت تختبئ فيه. وأضافت “لقد عادوا مرّة أخرى، أرجوكم أرسلوا المساعدة… هناك الكثير من المنازل المتضرّرة… زوجي يغلق الباب… إنهم يطلقون الرصاص”.
وأفادت إستر بوروشوف التي كانت تحضر حفلاً راقصاً عندما بدأ الهجوم أن سيارة صدمت سيارتها بينما كانت تحاول الفرار وأن شابا طلب منها ومن صديقتها القفز إلى سيارته قبل أن يتم إطلاق النار عليه من مسافة قريبة. وأضافت أنّها تظاهرت بالموت حتى تم إنقاذها.
وقالت لـ”رويترز” في المستشفى “لم أستطع تحريك ساقي… جاء الجنود واقتادونا إلى الأدغال”.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن ضباطاً كباراً في الجيش كانوا من بين القتلى في القتال قرب غزة أمس السبت. قصف غزةفي غزة، تصاعد دخان أسود وألسنة لهب برتقالية في سماء المدينة من برج شاهق تعرض لضربة جوية إسرائيلية. وحملت حشود من المشيّعين في الشوارع جثث ناشطين قتلوا ملفوفة بأعلام حماس الخضراء. وتم نقل القتلى والجرحى في غزة إلى مستشفيات متهالكة ومكتظة في ظل نقص حاد في الإمدادات والمعدات الطبية. وذكرت وزارة الصحة أن عدد القتلى بلغ 232 والمصابين 1700 على الأقل. وخلت الشوارع إلا من سيارات الإسعاف التي هرعت إلى مواقع الغارات الجوية. وقطعت إسرائيل التيار الكهربائي لتغرق المدينة في ظلام دامس. ردود فعل… وبايدن يعرض المساعدةندّدت دول غربية على رأسها الولايات المتحدة بالهجوم الفلسطيني وتعهّدت بدعم إسرائيل. وفي البيت الأبيض ظهر الرئيس الأمريكي جو بايدن على شاشة التلفزيون ليقول إن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها وأصدر تحذيراً صريحاً لإيران والدول الأخرى المعادية لإسرائيل. وقال “هذه ليست اللحظة المناسبة لأي طرف آخر معادٍ لإسرائيل لاستغلال هذه الهجمات لتحقيق مكاسب. العالم يراقب”. وأوضح مسؤول كبير في إدارة بايدن للصحافيين أن الولايات المتحدة تعمل مع حكومات أخرى لضمان احتواء الأزمة.
وأضاف المسؤول الذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته أن الولايات المتحدة ليس لديها أي معلومات في الوقت الراهن لتحديد ضلوع إيران في الهجوم على إسرائيل على الرغم من أن دعم طهران القائم منذ وقت طويل لحماس معروف تماماً. وقال المسؤول إن الولايات المتحدة تتابع الوضع عن كثب.
وحثّت إدارة الطيران الاتحادية في وقت مبكر اليوم الأحد شركات الطيران الأميركية والطيارين على توخّي الحذر عند التحليق في المجال الجوي الإسرائيلي. وقال مسؤول حركة “حماس” في لبنان أسامة حمدان لـ”رويترز” إن عملية السبت يجب أن تجعل الدول العربية تدرك أن قبول المطالب الأمنية الإسرائيلية لن يحقّق السلام.
وأضاف أن إنهاء “الاحتلال الإسرائيلي” يجب أن يكون نقطة البداية لمن يتطلعون إلى تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. وتابع أن بعض الدول العربية بدأت “للأسف” تتصوّر أن إسرائيل يمكن أن تكون البوابة إلى أميركا للدفاع عن أمنها. وتحاول واشنطن التوصّل إلى اتّفاق من شأنه تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية وهو ما يعتبره الإسرائيليون أكبر جائزة حتى الآن في سعيهم المستمر منذ عقود للحصول على الاعتراف العربي. ويخشى الفلسطينيون أن يقضي أي اتفاق من هذا القبيل على أحلامهم المستقبلية في دولة مستقلة. وخرجت احتجاجات دعماً لـ”حماس” في أنحاء الشرق الأوسط أُحرقت فيها أعلام للولايات المتحدة وإسرائيل ولوح فيها مشاركون بأعلام فلسطينية في العراق ولبنان وسوريا واليمن. وأشادت إيران وجماعة “حزب الله” بهجوم “حماس”. لم يتم إبلاغ السكان في جنوب إسرائيل حتى حلول مساء أمس بانتهاء العمليات حتى يستطيعوا مغادرة الملاذات التي يختبؤون فيها من المسلّحين منذ الساعات الأولى من الصباح. وقال داني رحاميم لـ”رويترز” عبر الهاتف من أحد الملاجئ حيث لا يزال يختبئ في ناحال عوز بالقرب من سياج غزة “الأمر لم ينتهِ لأن (الجيش) لم يقل إن البلدة خالية من الإرهابيين”. وهدأ إطلاق النار لكن لا يزال من الممكن سماع دوي انفجارات متكررة.
وأعلنت “حماس” أنّها أطلقت وابلاً من 150 صاروخاً باتجاه تل أبيب مساء السبت ردّاً على الغارة الجوية الإسرائيلية التي دمّرت المبنى الشاهق الذي يضم أكثر من 100 شقة.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري لقناة “الجزيرة” إن الجماعة تحتجز عدداً كبيراً من الإسرائيليين بينهم مسؤولون كبار. وأضاف أن “حماس” لديها ما يكفي من الأسرى لحمل إسرائيل على إطلاق سراح جميع الفلسطينيين في سجونها. وأرجعت “حماس” الهجوم إلى ما قالت إنه تصعيد الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وعلى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وأعلن قائد هيئة الأركان في كتائب القسام محمد الضيف بدء العملية في بث عبر وسائل إعلام تابعة لحركة “حماس”، داعياً الفلسطينيين في كل مكان إلى القتال. وقال “اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض”، مشيراً إلى إطلاق خمسة آلاف صاروخ. وخاضت “حماس” التي سيطرت على غزة في 2007 أربع حروب ضد إسرائيل منذ ذلك الحين. لكن مشاهد العنف داخل إسرائيل نفسها تختلف تماماً عن أي شيء شوهد منذ التفجيرات الانتحارية في الانتفاضة الفلسطينية قبل عقدين. ومع طبيعة الهجوم الذي كان مباغتاً بالنسبة لقوّات الأمن الإسرائيلية، يعد هذا أحد أسوأ الإخفاقات الاستخباراتية في تاريخ البلاد، ويمثّل صدمة في دولة تفتخر باختراقها المكثّف ومراقبتها للجماعات المسلحة.
وفي غزة، سارع الناس لشراء المؤن تحسّباً لصراع قد يستمر أياماً. وأخلى البعض منازلهم وتوجّهوا إلى الملاجئ. وقُتل عشرات الفلسطينيين وأصيب المئات في اشتباكات على الحدود مع إسرائيل حيث سيطر مقاتلون على معبر حدودي ومزقوا السياج. وكان من بين القتلى مدنيون من الحشود التي حاولت العبور إلى إسرائيل عبر البوابات المتضررة. وقالت أمل أبو دقة، وهي امرأة فلسطينية، لـ”رويترز”: “نحن خائفون”، بينما كانت تغادر منزلها في خان يونس. تصاعد العنفيأتي تفجر الأحداث على خلفية تصاعد العنف بين إسرائيل والمسلّحين الفلسطينيين في الضفة الغربية، التي تشكل مع قطاع غزة جزءاً من الأراضي التي يسعى الفلسطينيون منذ فترة طويلة إلى إقامة دولتهم عليها. واندلعت في الضفة الغربية مواجهات في مواقع عدّة حيث تصدّى شبان لقوّات الاحتلال بالحجارة. وقُتل أربعة من الفلسطينيين، من بينهم فتى يبلغ من العمر 13 عاماً. ودعت الفصائل الفلسطينية إلى إضراب عام اليوم الأحد. يأتي التصعيد كذلك وسط اضطرابات سياسية في إسرائيل التي تعاني من انقسامات عميقة بخصوص تعديلات السلطة القضائية.