في تطور لافت، أثارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأسبق جواد ظريف خلال كلمته الأخيرة موجة من الجدل والاهتمام. ففي حديثه الذي وجهه مباشرة إلى اليهود، قال ظريف: “الفرس أمة مسالمة، وهي التي أنقذتكم من السبي البابلي”، في إشارة إلى دور الملك الفارسي كورش الكبير الذي يُنسب إليه تحرير اليهود من السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد .
رسالة ظريف. أبعاد ودلالات
جاءت هذه التصريحات في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، مما يطرح تساؤلات حول مغزى هذه الرسالة وما إذا كانت تمثل تحولًا في الخطاب الإيراني تجاه اليهود وإسرائيل. فإيران، التي طالما رفعت شعار معاداة “الكيان الصهيوني”، بدت في هذه الكلمة وكأنها تسعى لإعادة صياغة سرديتها التاريخية والسياسية تجاه اليهود من منظور أكثر سلمية .
إحياء التاريخ لتحقيق أهداف سياسية
إشارة ظريف إلى السبي البابلي ليست محض صدفة، بل تبدو محاولة ذكية لاستغلال التاريخ لتوجيه رسالة مزدوجة .
1. لليهود والإسرائيليين . لإبراز دور إيران التاريخي كحامية لليهود، في محاولة لتخفيف التوتر وإظهار أن العداء الإيراني ليس موجهًا ضد اليهود كأمة أو ديانة، بل ضد السياسات الإسرائيلية .
2. للمجتمع الدولي . للتأكيد على أن إيران ليست تهديدًا وجوديًا، وأنها تسعى إلى تقديم نفسها كطرف مسالم وفاعل في استقرار المنطقة .
رسالة سلام أم خطوة تكتيكية؟
تصريحات ظريف قد تُفهم من عدة زوايا .
1. محاولة للتهدئة . تأتي هذه الكلمة في ظل الضغوط الدولية على إيران، خصوصًا بعد تصاعد التوترات مع إسرائيل والدول الغربية بشأن برنامجها النووي وتدخلاتها الإقليمية.ط .
2. رسالة موجهة للداخل الإيراني.
لتعزيز خطاب النظام الإيراني حول السلام والتسامح، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية .
3. مناورة دبلوماسية: تسعى إيران من خلالها لكسب تعاطف بعض الأطراف الدولية وإبراز نفسها كطرف يمكنه لعب دور إيجابي في تهدئة الأوضاع الإقليمية .
ردود الفعل الأولية
تصريحات ظريف أثارت ردود فعل متباينة .
إسرائيل . من المتوقع أن ترى هذه التصريحات محاولة مكشوفة لتلميع صورة إيران أمام العالم، دون أن تؤثر على موقفها الصارم تجاه طهران .
اليهود في العالم: قد تثير هذه التصريحات اهتمامًا في الأوساط اليهودية، خاصة أنها تبرز جانبًا إيجابيًا للعلاقة التاريخية بين الفرس واليهود .
الدول الإقليمية: قد تُقرأ هذه التصريحات كجزء من محاولات إيران لإعادة التموضع الإقليمي وتخفيف عزلتها السياسية .
تصريحات جواد ظريف التي تربط الماضي بالحاضر تسلط الضوء على لعبة سياسية معقدة تسعى إيران من خلالها إلى تحسين صورتها الدولية. لكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الرسائل الرمزية في تحقيق أهدافها أم أنها مجرد محاولة يائسة وسط التحديات الكبرى التي تواجهها إيران داخليًا وخارجيًا ؟