اخبار سياسية عالمية

عاد لينتقم.. ابن شقيق صالح يظهر مجددًا على رأس «جيش» مجهز برعاية إماراتية

لم يكن اغتيال الرئيس اليمني السابق على عبد الله صالح في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على يد الحوثيين نهاية المطاف بالنسبة لعائلة صالح المتنفذة في اليمن، وفي حين توقع الكثيرون أن يخلف الابن (أحمد) أباه، ويرث تركته ويسعى وراء ثأره، كشفت الأيام القليلة الماضية عن شخصية أخرى من العائلة برزت إلى الواجهة، وأخذت زمام المبادرة، هو العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل.

طارق صالح.. مطلوب للحوثيين حيًا أو ميتًا

لم تكد تتأكد أنباء مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، حتى أخذ الشارع اليمني يترقب ما يرشح من أخبار مصير العميد طارق صالح، ابن شقيق الرئيس القتيل، والقائد السابق للقوات الخاصة (الحرس الرئاسي) والمسؤول عن تأمين تحركات عمه، قبل أن تتم إقالته مع تولي الرئيس عبد ربه منصور هادي السلطة، ويُبعد إلى ألمانيا حيث تم تعيينه ملحقًا عسكريًا للسفارة اليمنية في برلين، ليعود إلى اليمن عام 2014، ويقف إلى جوار عمه في تحالفه مع الحوثيين، ويصير أبرز قادته العسكريين.

سطع نجم طارق، وصار محط اهتمام أطراف النزاع اليمني كافة، خاصة بعد أن تراجعت حظوظ نجل صالح، العميد أحمد، قائد الحرس الجمهوري السابق، الذي نظر إليه طويلًا كوريث لأبيه؛ بسبب إقامته في الإمارات بعيدًا عن الميدان، وبسبب العقوبات الأممية التي فُرِضت عليه، إلى جانب أن تأسيس طارق صالح لـ«معسكر الشهيد الملصي» الذي أنشأه جنوب صنعاء – بذريعة تدريب منتسبيه لمواجهة قوات التحالف – بالتزامن مع توتر العلاقات بين عمه وبين الحوثيين، قد أثار ريبة الأخيرين، ودفعهم إلى الاستعداد للمعركة الفصيلة التي انتهت بمقتل علي صالح؛ مما ساهم في تكريس اسمه أكثر وأكثر.

لأجل ذلك، كان من المفهوم أن تتجه الأنظار إلى طارق صالح بعد مقتل عمه، إذ تحول إلى المطلوب الأول للحوثيين، وثارت شائعات قوية تحدثت عن مقتله في اشتباكات مع الحوثيين، قبل أن يتضح لاحقًا عدم صدقها، إذ إن صالح نجا ونجح من الفرار من صنعاء رغم التشديدات الأمنية، وتوزيع الحوثيين لصوره باعتباره المطلوب الأول لهم، ومداهمتهم منازل أقرباء صالح بحثًا عنه، وتتحدث تقارير صحافية أن بيانات النعي التي صدرت بحق طارق صالح لم تكن سوى تغطية لعملية الفرار.

ظهر طارق للمرة الأولى في محافظة شبوة جنوب اليمن، حيث حظي باستقبال حار حين ذهب ليؤدي واجب العزاء لأسرة الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا، حيث وجه رسالة إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية في المنطقة قائلاً :«نمد أيدينا إلى الأشقاء في المملكة العربية السعودية، لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، على اعتبار أن أمن اليمن من أمن المنطقة».

وقد نُظر إلى نجاة طارق – سيما مع تناثر أنباء لم تؤكد صحتها عن تلقيه مساعدة من التحالف العربي مكنته من الفرار من قبضة الحوثيين – ومن ثم ظهوره في شبوة، والرسالة التي بعث بها إلى التحالف باعتبارها تدشينًا لمرحلة جديدة يلعب فيها «صالح الصغير» دورًا عسكريًا فاعلًا في الساحة اليمنية، وهو ما ترجمته الوقائع على الأرض في الأيام القليلة التالية.

حانت لحظة «الانتقام»
منذ ظهوره الأول في شبوة، أبدى طارق صالح نشاطًا متسارعًا كشف عن دور عسكري واسع يُجهز له؛ إذ تواترت التقارير التي تتحدث عن انتقاله إلى عدن، فقد بدأ من معسكر «البريقة» في تجميع قواته، في استقبال قوات من الحرس الجمهوري والحرس الرئاسي، وأبناء القبائل الموالية له، وجرت تلك العمليات تحت إشراف المجلس الانتقالي الجنوبي وزعيمه عيدروس الزبيدي الموالي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يحظى بنفوذ واسع في عدن.

وبرغم التشكيك الذي قوبلت به هذه الأنباء في حينها، فإن الأيام القليلة الماضية قد أثبتت صحتها، وكشفت الكثير عن الدور العسكري الجديد المنوط بطارق صالح؛ إذ بثت وكالة الأنباء الإماراتية في 19 أبريل (نيسان) الجاري، تسجيلًا مصورًا يظهر فيه العميد طارق بجوار أبرز قادته العسكريين، وقد أطُلق على القوات التي يتزعمها اسم «المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية)»؛ إذ تم الإعلان أن تلك القوات بدأت في تنفيذ أولى عملياتها العسكرية في جبهة الساحل الغربي لليمن، ومن المقرر أن تشمل مناطق المخا والبرح غرب محافظة تعز.

وتخوض قوات طارق معاركها بإسناد من التحالف، لا سيما من قبل قوات دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يلاحظ «احتفاء» وسائل إعلامها الرسمية بالعمليات العسكرية والحديث المتكرر عن الإنجازات العسكرية لطارق صالح، الذي أشارت تقارير محسوبة على وسائل إعلام في الصف المعارض للتحالف إلى تجهيزه للعملية لنقل قواته من مدينة عدن إلى المخا برعاية قوات التحالف، كما أُسند إليه قيادة لواء مزود بعشرات الدبابات والمدرعات ومنصات الصواريخ والعربات العسكرية، ويبلغ تعداده أكثر من 3 آلاف عسكري، كانوا ضمن قوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح، بحسب نفس المصادر.

وفي حين قدرت بعض المصادر لـ«الشرق الأوسط» عدد قوات صالح بـ10 آلاف مقاتل جرى تجميعهم من مختلف المناطق اليمنية، وينتمي معظمهم إلى قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي والقوات الخاصة، تحدثت وكالة الأنباء الإماراتية عن افتتاح «مكاتب تجنيد» لاستقبال اليمنيين الراغبين في الانضمام إلى «قوات المقاومة الوطنية» حديثة التشكّل، وتحدثت عن «توافد آلاف اليمنيين إلى تلك المكاتب» خلال الأيام القليلة الماضية، وإن لم تتوفر مصادر أخرى تؤكد صحة تلك الأرقام والتقديرات.

كما نقلت صحيفة الرأي الكويتية عن مصدر مقرب من طارق صالح، أن الأخير تلقى عرضًا تقدم به الحوثيون لوقف العمليات العسكرية الحالية مقابل إطلاق سراح ابنه وأخيه وأبناء عمومته الذين يحتجزهم «أنصار الله»، لكن هذا العرض قد قوبل بالرفض من قبل طارق الذي أصر على المضي قدمًا في المسار العسكري والثأر لعمه.

مهمة صعبة وأعداء كُثر
لا يبدو أن طريق طارق صالح ستكون ممهدة تمامًا؛ إذ – إلى جانب العداوة المريرة مع الحوثيين – فإن لديه العديد من الخصوم والعداوات

داخل «معسكر الشرعية ذاته»، إذ إن طارق لم يعلن اعترافه بشرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته، وهو لا يخوض معاركه تحت راية الحكومة اليمنية وقوات المقاومة الشعبية المتحالفة معها، بل يتحرك بمعزل عن هؤلاء، وبغطاء من الإمارات التي لم يعد يخفى خصامها مع هادي وقواته.

كما يحظى طارق بعداوة الكثير من الشباب الذين كانوا جزءًا من الثورة التي أطاحت بحكم صالح في 2011؛ إذ يعتبرونه أحد المتورطين في «مجزرة الكرامة» التي قتل فيها عشرات المتظاهرين اليمنيين، كما خرجت مؤخرًا مظاهرات في تعز تندد بقيادة طارق للعمليات غرب المدينة، وتسليحه وتكليفه بقيادة بعض القوات، وطالبوا بمحاكمته على ما وصفوه بـ«الانتهاكات» التي اقترفها بحق المدينة، حيث كان جزء من محاصِريها إبان تحالف عمه مع الحوثيين.

كما أثار رفض قيادات من «حزب التجمع اليمني للإصلاح» – المحسوب على الإخوان المسلمين – أي دور لطارق خارج إطار الحكومة الشرعية، غضب وسائل إعلام التحالف التي اتهمت «بعض الأجنحة» داخل الحزب بأنها واقعة في «فوبيا صالح ونظامه»، وأنها تخشى من عودة أقارب صالح إلى سدة القيادة حتى بعد مقتل الرئيس السابق.

وكانت عملية تجميع طارق صالح لقواته قد شابها العديد من الاعتراضات، حيث تكررت عمليات احتجاز ضباط وجنود في محافظة الضالع، كانوا في طريقهم إلى عدن للانضمام إلى معسكرات طارق صالح، من قبل قوات موالية للرئيس اليمني، وهو الأمر الذي أثار غضب أبو ظبي التي تدخلت لإطلاق سراحهم، مهددة بأن طيرانها سيتدخل ما لم يتم الإفراج عن جنود صالح، وهي الحوادث التي تكشف عن حجم الرفض لطارق داخل معسكر الشرعية والقوات الموالية لهادي.