من السنن الالهية في الحياة انه في كل مرحلة من مراحل العمر تظهر ملامح تختلف عن سابقها و قادمها من حيث لون البشرة و الطول و كثافة الشعر و قوة العضلات و تتأرجح بين القوة و الضعف حتى المنية , و هكذا هي الحياة بشكل عام …
ان نضال الحركات التحررية في كل مرحلة تتسم بملامح يكون مختلفاً عن سابقتها أعتماداً على امور خارجية و اخرى داخلية و يستفاد منها فقط كتجربة مرت عليها الزمن يتجنب تكرار مأسيها نتيجة لفشلها او عدم قدرتها على الاستجابة لمعطيات تلك المرحلة من النضال .
ان ملامح نضال الحركة التحررية الكوردستانية تختلف من مرحلة الى اخرى فمثلاً الملامح التي اتصفت بها بعد الانتفاضة الشعبية المباركة عام 1991 كانت تختلف عنها في ثمانينيات القرن المنصرم لانها كانت تعتمد على حرب الانصار و الاستيلاء على الاسلحة و الاعتدة و الحقيبة الصغيرة التي كانت تحمل على الاكتاف و تحتوي على لوازم العيش من الخبز و الزبيب و ادوات الحلاقة (ان وجدت) و النوم على التراب و في الكهوف و التجوال ليلاً و الاختباء نهاراً و الخ … اما بعد عام 1991 و اجراء اول الانتخابات ظهرت ملامح اخرى للنضال منها تشكيل الحكومة و الحياة المدنية و بناء المؤسسات و سن القوانين … الخ و كلها استجابة لتلك المرحلة .
و من اجل عدم الاطالة فان الشعب الكوردستاني قرر اجراء استفتاء شعبي لتقرير مصيره بعد استياءه من العيش ضمن العراق , الدولة التي ردت مطاليب مواطنيه بالنار و لم تستجيب لأدناه , هذا القرار التاريخي جاء بعد فشل كل المحاولات و الاتفاقات و تجربة انظمة ادارية و سياسية متعددة و لكنها كانت دون نفع لعدم ايمان رؤوس السلطة بها بل استغلتها فرصته لأعادة تنظيمها و استرجاع قواها , هذا القرار الحاسم فتح الباب لرسم ملامح جديدة للمرحلة القادمة التي تتمثل بتأسيس الدولة ككيان سياسي مستقل للشعب الكوردستاني .
هذه الملامح تختلف بالمجمل عن سمات مرحلة الفدرالية و ان الرئيس (مسعود البارزاني) اشار في عدد منها كخطوط عريضة خلال لقاءات سيادته بطبقات و شرائح المجتمع الكوردستاني في الفترة المنصرمة لتوضيح رؤية القيادة السياسية للجمهور و إن هذه الملامح تمثل خارطة الطريق لما بعد الاستفتاء و منها :
دولة جمهورية فدرالية برلمانية : ان نظام الحكم الجمهوري هو النظام الأقرب الى الديمقراطية و يعود اصوله الى الحكم اللاتيني او اليوناني و يعني ان الحكم يقوم على مبدأ سيادة ابناء الدولة الواحدة و مشاركتهم في اختيار رؤوسائهم الذين يحدد مهامهم وفق الدستور و يحق لأبناء الجمهورية المشاركة في كافة مجالات الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية … الخ و يتم استفتاء كافة فئات الشعب في القضايا و الشؤون الهامة بحيث يكون نتيجة التصويت ملزمة للرئيس .
اما الفيدرالية : هي واحدة من اهم انواع اشكال الحكم على امتداد العالم اجمع , اذن السلطات في الدولة التي تأخذ بهذا النظام تكون مقسمة بين الحكومة الفيدرالية و الاقاليم بموجب الدستور , و ان دستور الدولة الفيدرالية هو النظام الاساسي فيها و يرتكز على مبدأ الديمقراطية . ان النظام البرلماني نشأة في بريطانيا و يتميز بالمرونة في العلاقة بين السلطات فالسلطة التنفيذية منبثقة من البرلمان و بالتالي تحتاج الى ثقته إلا انها في نفس الوقت تعمل باستقلالية تامة عنه لكنه يمكن اسقاطها بحجب الثقة كما يمكنها حله و الدعوة الى انتخابات جديدة .
و بهذا الشكل يكون النظام ديمقراطياً يجعل من مبادئ حقوق الانسان اساساً لها و ينعم كل المكونات و الشرائح بالحقوق المقررة لهم و يكون دولة كوردستان نموذجاً و تجربة نادرة في المنطقة .
دولة المواطنة : المواطنة تعني : حق كل ابناء الوطن في تقرير مصير الوطن و التمتع بكل خيراته , و هي المساواة بينهم بصرف النظر عن الدين او المذهب او العرق , فكل منهم له نفس الحقوق و عليه نفس الواجبات , و هي مجموعة من الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الحريات المدنية التي يكتسبها الفرد قانونياً و فعلياً من مجرد كونه عضواً في المجتمع , و على قاعدة المساواة , و ان الاسس التي تقوم عليها المواطنة هي وجود نظام سياسي عادل و قوي و توفير المساواة و من مقومات المواطنة حب الوطن و الانتماء له و احترام القيادة السياسية للبلاد و تهذيب السلوك و الاخلاق و حب الاخرين و التعاون مع اجهزة الدولة و الدفاع عن الوطن ..
ان احد الاسباب التي دفعت بالشعب الكوردستاني الى الاستفتاء و بناء الدولة الكوردستانية هي عدم تعامل الحكومات العراقية المتعاقبة و خاصة بعد عام 2003 مع ابناء الاقليم على اساس المواطنة بل و منعه من ابسط حقوقه السياسية و المالية بين الاقصاء و قطع الموازنة و الرواتب , هذه الاجراءات التي قطعت صلة المواطن الكوردستاني مع العراق , لذا فأن بناء الدولة الكوردستانية على اساس المواطنة يداوي جراح شعبه الذي طالما عانا منه و شعوره كمواطن من الدرجة الثانية و النظرة الدونية …
انها دولة مواطنة و ليست دولة خاصة بقومية او مذهب معين بل الجميع مشاركون في الحقوق الواجبات .
وفي الاخير هناك ملامح اخرى في الجانب الاقتصادي والاجتماعي ولكننا نكتفي بهذا لاهميتهما الى السلطة والشعب