مقالات

عجلة التقدم مستمرة على رغم العراقيل

 

أحمد الحناكي

يدور حديث «خجِل» أحياناً وصارخ مرات أخرى ما بين العراقيين أنفسهم أو خارج العراق من أصحاب النفس القومي عما يحدث في العراق بشكل خاص وتطابقه مع ما يحدث في العالم العربي بشكل عام، من فساد وطائفية وعنف وما إليه، فضلاً عن وجود «داعش» على الحدود والكل يعلم خطورته، ثم يسأل البعض آخرين: هل يا ترى سيكون لنا رأي آخر تجاه طغيان صدام حسين ونظامه الدموي مقارنة بما نشهده اليوم؟ هناك من يقولها صراحة، بأن ما حدث في الدول العربية بعد الربيع العربي وما يحدث في العراق الآن يجعلني اتحسر على الأنظمة القديمة، حتى لو كان منها نظاماً فاشياً يحكمه صدام حسين، فعلى رغم وحشيته وديكتاتوريته وعنفه، إلا أنه كانت هناك دولة متماسكة وأنظمة وقوانين من دون انقسامات حزبية أو فئوية أو مذهبية أو غيرها، وفضلاً عن ذلك، فقطاعات الدولة كلها مستمرة في التنمية والتعليم والصحة والجيش والأمن وخلافه.

بتصوري أن هذه الآراء لا تقدم ولا تؤخر، فعامة الشعب لم يستأنس برأيهم عندما أقدم الأميركيون على غزو العراق، وبالتالي ليطمئن من تأسى فليس القرار بيده وليس هو من منحهم ضوءاً أخضر. هذا من جانب، ومن جانب آخر فبقاء صدام كان سيؤدي إلى النتيجة نفسها وهي: أنه سيقدم على حرب مع إيران أو غزو للكويت أو مناوشة لجيرانه أو أي سلوك لا يتسم مع السلام، ما يمنح الدول الكبرى ذريعة للتدخل، وكما يعرف المطلعين فالأميركيون عندما غزو العراق كان بسبب ما يقولون أن النظام العراقي لديه أسلحة دمار شامل ومدفع عملاق، أي أن السبب كان أضعف من أي مبرر للغزو، ومع ذلك فقد استمروا بخطتهم وغزو العراق واحتلوه وحولوه إلى بؤرة للخلافات المذهبية وفتحوا المجال لإيران من جهة ولداعش من جهة في التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، واتضح لاحقاً ألا مدفع عملاقا هناك، وتم دمح الغزو فهو أحد أخطاء الغزاة البريئة.

تجربة صدام حسين لا حل لها إلا الاعتراض أساساً على وصوله الى دفة الحكم في العراق، أما وقد وصل في الماضي وكذلك مماثلوه فلا فائدة من محاولة الندم على ماضي لا ذنب لنا به فلا شيء من التوقعات ستكون إيجابية، فهؤلاء المستبدين لا يفهمون لغة للحكم الا بالبطش والتنكيل ومصادرة الآراء الأخرى. هل هنالك بديل؟ طبعاً البديل هو العكس، وهو ما يحاول التونسيون صنعه وإن كانت المصاعب كبيرة لكنهم تمسكوا بمبدأ الديموقراطية والانتخابات وخدمتهم الظروف بكون جبهة النهضة أكثر تجربة وحكمة من نظرائهم في مصر، ما جعل الأمور أكثر انسيابية، وحتى في مصر فتدخل الجيش حال دون أن تتجه البلد الى «دعشنة» لا يمكن أن يتقبلها تكوين الشعب المصري المدني، ولذا نلاحظ أن هذان البلدان هما الوحيدان الذي استطاعا مقاومة ما حدث في سوريو وليبيا واليمن والعراق، على رغم أن الاخيرة بدأ ربيعها باكراً بإسقاط صدام حسين.

برأيي أن ما حدث هو استباق للثورات واللعب على نتائجها، بحيث تخرج التجارب مشوهة، فمن صالح المستعمر أن يولد الجنين غير كامل النمو، ولو حدث هذا فسينبذ كل التدخلات الأجنبية، وهذا ما لا يريده النظام الرأسمالي الراغب في نهش ثروات الشعوب.

هناك ما أؤمن به وهو أن عجلة التقدم ماضية إلى الأمام على رغم محاولات لعرقلتها، يساعدهم على ذلك وجود زعماء يرفضون التنحي حتى لو لم يبقى إلا هو يستنشق هواء الوطن، لكن يجب ألا ننخدع ونتصور أن المستبدين الذين رحلوا بشكل أو بآخر هم كانوا الخيار الأفضل، أبداً. بل هم أساس الكارثة وهم من تآمر مع الغازي بشكل مباشر أو غير مباشر، والأجيال الجديدة بشكل عام لها متطلبات أخرى ولن تستسلم لما خنع له أسلافهم، فهي ستصل لأهدافها وحقوقها حتما حتى وإن تأخرت.

* كاتب سعودي.