أ٠د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
أماط الزمن عن لثامه ، وظهر على السطح ما كان مختبئاً تحت الاقنعة والعمائم والكوافي وحتى الكلمات ، لأن معطيات المشاحنات والضغائن والطموحات غير المشروعة وطنياً لاعتلاء صهوة جواد “السلطة” كان واضحاً و جلياً للجميع، ومع ارتفاع حمى اللهث على السلطة من قبل فريقي النزاع عليها وكلٍ بحسب التمويل المالي والمعنوي القادم من طرفي الاحتلال بعدن والمدن الجنوبية اليمنية الأخرى، برز في يوم الأحد الدامي بتاريخ 28 يناير 2018م الصراع الدموي المتوحش بين (الاخوة الأعداء) في اقتتال شرس بين رفاق الأمس وخصوم اليوم، وتجلى ذلك الصراع العدواني بينهم بشكل مُخيف ومقرف، وتحولت مدينة عدن كعادتها مسرحاً للمعارك والاقتحامات والخطف والقتل، وكل ما حدث ويحدث أصبح معه المواطن العدني في حالة حيره وخوف من القادم.
كان سكان مدينة عدن والمدن الجنوبية الأخرى الواقعة تحت احتلال قوات التحالف ومنذ ما سُمي بتحريرها من الجيش اليمني واللجان الشعبية، يطمحون بحياة مستقرة تأمن لهم وسائل العيش المستقرة ويحظون بخدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم والبيئة النظيفة، هذا كان أقصى ما حلموا به منذ السيطرة عليها في يوليو 2015م، لكن النتيجة كانت عكسية تماماً، وطموح البسطاء تهاوت وتحولت إلى سراب وحلمٍ بعيد المنال، لأنهم مواطنون بسطاء، كانت احلامهم ايضاً بسيطة في الحقوق الأساسية للعيش الكريم.
ولذلك جل المواطنين الأحرار في مدينة عدن سألوا كل تلك التساؤلات، وكانوا يرددون لماذا كل ذلك الاهمال شبه المتعمد للانطفاء المتكرر لمحطات تشغيل الطاقة الكهربائية لساعات طويلة في زمن قيظ عدن الحارق، و انطفائها في بعض الأحياء لأيام، والتعمد في قطع المياه عن عددٍ من احياء عدن لأسابيع، وتراكم مياه الصرف الصحي والقمامات بالشوارع، والاغتيالات بالجملة لخيرة ابناء عدن، والفلتان الأمني الذي اصبح ظاهرةٍ عامة، وعدم صرف معاشات ورواتب عددٍ من القطاعات المدنية الحيوية برغم أن (حكومة) فنادق الرياض قد استلموا ما يزيد عن 600 مليار ريال من مطابع النقد في سانكت بيطرس بورج بروسيا الاتحادية، بالإضافة إلى فتح خزائن الرياض و أبوظبي العامرة بالأموال — (الأموال كالرز كما سماه بعض القادة العرب) — للمليشيات الانفصالية المنتشرة في المدن والقرى اليمنية المُحتلة.
كل تلك التصرفات والسلوكيات الرعناء من قبل طرفي إشعال الفتنة الدموية، كانت إلى حدٍ ما مقبولة نسبياً ، لكن أن يتم إشعال حربٍ دموية و إسالة دماء البسطاء واستخدام كل الأسلحة في شوارع مدينة عدن تحت يافطات تضليلية كاذبة منها الحفاظ على السلطة (الشرعية) المُهترئة، أو الزعم بمكافحة (الفساد الاداري والمالي)، و الاصل في الصراع هو ثأر كامن بالنفس المريضة مع ميراث كارثة يناير 1986م أو لأن الرئيس (الشرعي) قد اسقطهم من مناصبهم الاخيرة.
طرفي القتال في عدن هم مليشيات بامتياز، عملوا ويعملون معاً تحت أوامر وتوجيهات سلطة التحالف السعودي الإماراتي، وهذه السلطة هي من اشعلت نار الفتنة وهي المسؤولة عن كل قطرة دم تمت اراقتها في شوارع عدن، وسيحاسبون عليها اليوم أو غداً، لأن دماء اليمانيين طاهرة وستدافع عن ذاتها ذات يوم عن قدسيتها، أما الادوات اليمنية من المرتزقة وخونة الأوطان فحسابهم من الشعب اليمني، وكل تلك الضحايا لن تسقط بالتقادم مطلقاً.
لغة الكذب والدجل والتظليل التي ساقها مسوقو ومروجو الانفصال حول شعارات التسامح والتصالح سقطت وفشلت مع أول طلقة تم التخطيط لإطلاقها، وكذبة “دم الجنوبي على الجنوبي حرام” مع أنه شعار غير اخلاقي ولا ديني ولا انساني وصدقه البسطاء من الناس، هو الآخر سقط وانهار يوم الأحد الدامي، وشعارات التآخي والتآزر والتضامن بين الجنوبيين هو الآخر تحول إلى سراب باهت بعد أن سالت دماء اليمنيين الجنوبيين في أحياء وحوافي عدن.
السبب في هذا السقوط المدوي لكل شعاراتهم البائسة بأن من يطلقها لا يعرف البتة التضاريس الوعرة لتاريخنا اليمني المعقد ، وهم أقل من أن يصلوا إلى فهم الاحداث التاريخية القريبة وتحديات الصراع على وهم السلطة في اليمن برمته، وتجد أن من حفظ كتاب واحد أو صفق له المنافقون لإلقائه كلمة جوفاء بكلمات محشوة بالحقد والكراهية، صدق ذاته و اعتبر أنه أحد المفكرين الافذاذ وأطلق الكلمات التي لا تحمل قيمة علمية وطنية أخلاقية، تجده يصدق ذاته.
كما أن اليمن العظيم عصيٌ على المحتلين السابقين والجدد، هو ايضاً عصيٌ على التسطيح في عرض تحدياته، لذا كررنا ونكرر بأن الحوار السلمي الحقيقي بين كل الفرقاء السياسيين هو الطريق الأمثل للحل، و أن المصالحة الشاملة بين اليمنيين مطلب الجميع، و أن طريق العنف لا محاله هو طريق مسدود و أن الاعتراف من الجميع بالمصلحة الوطنية اليمنية العُليا ومنع التدخلات من دول الإقليم والدول الأجنبية، هذا هو المخرج دون سواه، والله أعلم منا جميعاً.