و”الدكة” عمل يتلخص بقيام أفراد من عشيرة معينة على تهديد مواطن من عشيرة أخرى، من خلال إطلاقات نارية على منزله، كتحذير شديد لدفعه على الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف. وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف، تتطور الأمور لتؤدي إلى وقوع ضحايا من الطرفين.
وأخذت “الدكة العشائرية” منحىً خطيراً بعد أن شاعت في المدة الأخيرة بشكل غير مسبوق، إذ لم يعد هذا العمل مقتصرا على إطلاق نار فقط بل وصل مرتكبوه إلى استخدام أسلحة متوسطة كالرمانات والقاذفات المضادة للدروع، ما أدى إلى سقوط ضحايا جراء هذه الأعمال.
وطلبت عدد من قيادات العمليات وبضمنها قيادة عمليات بغداد من القضاء إبداء رأيه بشأن تشديد عقوبة المتهمين بهذه الأعمال، وبانعقاد جلسة مجلس القضاء الأعلى الدورية اصدر قراره الفصل باعتبار “الدكة العشائرية” إرهاباَ وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13) لسنة 2005، التي تنص على أن “التهديد الذي يهدف إلى القاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه يعد من الأفعال الإرهابية”.
وتوّج هذا القرار سريعاً باجتماع لعدد من السادة القضاة مع قيادات وزارة الداخلية وبحضور وكيل وزير الداخلية لوضع آلية تطبيقه، وبجهود قضائية استثنائية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية نفذت اغلب قيادات العمليات عددا من أوامر القبض بحق من خالف القرار.
ففي ميسان، أعلنت محكمة الاستئناف تصديق أقوال (44) متهما بالـ”دكة العشائرية” وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب، ما أفضى إلى انحسار هذه الأعمال هناك بصورة كبيرة وصلت إلى نسبة الـ90% بحسب القاضي سعد سبهان.
وقال سبهان إلى “القضاء” وهو قاضي اول محكمة تحقيق العمارة إن “أعمال الدكة العشائرية انخفضت إلى نسبة 90% في مناطق من المحافظة وانقضت نهائيا في أخرى، اذ صدقت محكمة تحقيق العمارة وحدها أقوال (30) متهماً وأصدرت (17) أمر قبض”.
وفيما نوه بأن “محافظة ميسان شهدت مثل هكذا أعمال بكثرة كونها أكثر محافظات العراق التي تصطبغ بالطابع العشائري”، اشاد بقرار مجلس القضاء الأعلى و”التكييف الجديد الذي أصدره ودور الأجهزة الأمنية في تطبيقه لما حققه من نتائج مرضية على ارض الواقع”.
وبدا الحماس واضحاً على الأجهزة الأمنية وقيادات وزارة الداخلية لتطبيق القرار، كما أكد المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار الذي حضر اجتماعا للقضاء ووزارة الداخلية لتحديد آليات التنفيذ.
ويقول بيرقدار إلى “القضاء”: “تلمسنا في الاجتماع حماس واستعداد قيادات وزارة الداخلية لتطبيق هذا القرار، إذ جرى خلال الاجتماع الاتفاق على تحديد مراكز معينة لإيداع المتهمين بعيدا عن مراكز الشرطة في المناطق للتخلص من الضغوط التي يمكن ان تؤثر على سير التحقيق”.
وأضاف بيرقدار “جرى التأكيد على الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض مباشرة على من يقوم بهكذا أعمال دون الحاجة لإصدار أمر قبض باعتبار الدكة من الجرائم المشهودة “، لافتا إلى أن “سبب إصدار مجلس القضاء الأعلى قراره بتحويل تكييف جريمة التهديد بالدكة العشائرية من المادة (431) من قانون العقوبات إلى المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب هو تنامي هذا النوع من الجرائم في الآونة الأخيرة ومطابقة التكييف الجديد لنص المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب”.
واضاف بيرقدار أن “التكييف وفق قانون مكافحة الارهاب تترتب عليه آثار عدة ضمنها عدم إمكانية تكفيل المتهم كما اعتبرها جريمة المخلة بالشرف، وقد يصل حكمها إلى الإعدام”، لافتا إلى أن “قانون مكافحة الارهاب يعامل كل من شارك وحرض على الفعل معاملة منفذ الفعل، اضافة الى شمول القانون لكافة الأعمال التي تثير الفزع في نفوس المواطنين بضمنها الكتابة على جدران المنازل بعبارات التهديد وكل من شارك بالفعل الاجرامي”.
وتابع المتحدث الرسمي ان “الأرقام الواردة الى مجلس القضاء الاعلى اكدت انحسار هذه الظاهرة الجرمية بشكل ملحوظ بعد صدور القرار”.
في بغداد، أكد من جانبه احمد الميراني قاضي تحقيق المحكمة المركزية أن “اغلب مناطق العاصمة انخفضت فيها اعمال الدكة العشائرية بعد صدور قرار مجلس القضاء الاعلى باعتبار هذا العمل إرهابا”.
واوضح الميراني ان “هذه الجرائم تعتبر ضمن الجرائم المشهودة وللقوات الأمنية إلقاء القبض مباشرة على كل من شارك في العمل”، لافتا أن “هذا الإجراء يشجع المواطن المجنى عليه على تحريك الشكاوى دون تردد او خوف من التهديدات إضافة الى قيام المواطنين فعليا بتقديم شهاداتهم بصورة طبيعية ما انتج إجراءات تحقيقية سريعة لاحالة لهذا الدعاوى الى المحاكم المتخصصة”، لافتا إلى ان “القرار اعطى أفراد الأجهزة الامنية القوة الكافية لفرض القانون على أيٍّ كان وابعدهم عن كل الضغوطات التي تقع عليهم من بعض دخلاء العشائر”.
وكشف قاضي تحقيق المحكمة المركزية أن “معلومات استخباراتية دقيقة أكدت في الآونة الأخيرة انتشار لمكاتب تتاجر وتتسلم اموالا مقابل قيامها بتهديد احد ما او دك منزله لغايات محددة”، مؤكدا ان “العشائر العراقية الأصيلة لا تقوم بهذه الأعمال الإرهابية وانها عشائر ذات تقاليدها وعادتها أصيلة”.
وبالحديث حول الدعم والتأييد الوارد الى قرار مجلس القضاء من جانبه أفاد القاضي بيرقدار بأن “المرجعية العليا في النجف اعلنت تأييدها لقرار مجلس القضاء وانهاء ما يسمى بـالدكة ونعتتها بالعرف السخيف، كما وردنا وبالوثائق تأييد اغلب محافظات العراق وعشائره الاصيلة لهذا القرار معتبرين إياه الخطوة الجادة على طريق تعديل وتشذيب العادات العشائرية وتوجيهها نحو الأفضل”.