“عصر الغضب”

1

 
 
أ.د. محمد الدعمي
 
أعترف شعوري بالارتباك حين اطلعت على اعتبار مجلة (فوربس) Forbes” كرستين لاجارد” Christine Logarde، مديرة صندوق النقد الدولي، واحدة من أقوى النساء في العالم: فقد ظننت أن “قوتها” تأتي من أهمية وظيفتها على المستوى العالمي، كما ظننت بأن مصدر جبروتها إنما يكمن في طولها الفارع، وربما هو يأتي من رقم مجرد لما يحتويه حسابها في المصارف العالمية.
والحق، فإني قد أخفقت في تعجلي الافتراضات، على الرغم من أنها جميعا افتراضات مبررة؛ حتى تسنى لي الاطلاع على شخصيتها عن كثب عبر مقابلة متلفزة مهمة لمناقشة حال العالم اليوم، وحال وطنها الفرنسي المضطرب الآن. وقد اكتشفت أن لاجارد إنما تكتسب قوتها الحقيقية من ذكائها وقدراتها الفكرية التي تطفو على سطح الإعلام غب كل نشاط ثقافي وإعلامي يطفو على شاشات الفضائيات وصفحات الإعلام.
والحق، فقد تركت هذه المرأة الفاضلة انطباعا طيبا في دخيلتي حال تسمية عصرنا الذي نعيش فيه بــ”عصر الغضب” The Age of Anger. وهذا حقا من أدق توصيفات العصر المضطرب، نظرا لما تمر به أغلب دول العالم، من أغناها إلى أفقرها، من اضطرابات وتفاعلات عنيفة وصراعات، بعضها داخلي، وبعضها الآخر إقليمي أو حتى عالمي.
وإذ طلب إلى “لاجارد” إيضاح ما الذي عنته بــ”عصر الغضب”، أعلنت أن مسببات الغضب الشعبي بل والحكومي (أي ما بين الدول) الذي يعصف بالعالم يمكن تتبعها، عبر منظور واقعي واسع، إلى تعقيدات عابرة للحدود أي مشاكل عالمية (ومعولمة) لا حول ولا قوة لأية دولة بمفردها التعامل معها وإيجاد الحلول الناجعة لها، حتى وإن كانت تلك الدولة غنية وقوية.
وتشمل هذه التعابير الغاضبة الحرائق التي تشب هنا وهناك من آن لآخر، خصوصا تلك التي لا يمكن لحكومة بمفردها إطفاؤها، ومن أخطرها اتساع الفجوة الاقتصادية بين الطبقات الغنية والفقيرة في مجتمعات عديدة، زيادة على تراجع، بل وغياب التعاون ما بين الأمم المختلفة لمباشرة المعضلات الكونية من نوع ارتفاع درجة حرارة الأرض والانتشار الخطير للأوبئة والكوارث الطبيعية الناتجة عن تخريب الإنسان لبيته الأرضي، كما يأتي “طاعون الإرهاب” على رأس قائمة مسببات الغضب الذي يجرف الأقوام والدول، فتطفو تعابيره هنا وهناك من آن لآخر، وكأنها بثور تظهر على بشرة حضارة مريضة، للأسف.
وترى هذه المرأة الوقور (لاجارد) أن على دول العالم أن تتحد لمواجهة هذه التحديات التي تقبع في “قلب الظلام”، كما يقال.

التعليقات معطلة.