بقلم : نظام مارديني
لم يمرّ تصريح قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل في إنشاء وتدريب قوة لحرس الحدود في سورية مرور الكرام عند كلٍّ من دمشق وموسكو وطهران، إلّا أنّ ردّة الفعل الأقوى جاءت من تركيا حليفة الولايات المتحدة، بحيث عزّز هذا التصريح هواجس أنقرة بخصوص السعي الأميركي الحثيث لقيام «دويلة كرديّة» ضمن الأراضي السوريّة بعد فشل مشروع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني في العراق، وقيام كلا «الدويلتَين» يعتبر خطاً أحمر إقليمياً لا يمكن السماح به، بل وتعتبره أنقرة التهديد الأكبر لها، وتضع مواجهته وتقويض إمكاناته على رأس قائمة أولويّاتها، وهي هيّأت لذلك بعملية ما يسمّى بـ»درع الفرات» التي نفّذتها – بين آب 2016 وآذار 2017، لمنع التواصل الجغرافي بين «كانتونات الكرد» الشرقية والغربية.
بَيْد أنّ موضوع دعم الإدارة الأميركيّة لـ»حزب الاتحاد الديمقراطي» PYD أو «وحدات حماية الشعب» كحليفٍ محليّ، يبدو مستقراً ومستمراً وشاملاً للجوانب السياسية والمالية والعسكرية والإعلامية، بما في ذلك إمداده بكميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتدريب عناصره واحتضان رموز «داعش» الذين تمّ تهريبهم من الرقة، في مناطق سيطرتهم، الذين تعتبرهم تركيا ذراعاً لحزب العمال الكردستاني الذي يشنّ حرباً ضدّها منذ ثمانينات القرن الماضي، وكلّ ذلك يسبّب لتركيا قلقاً وجودياً لا يمكنها التغاضي عنه، وتعتبره مقوّضاً لاستقرارها وأمنها ووحدتها، ومعياراً لقياس درجة من هو الحليف ومن هو العدو.
إنّ أردوغان الذي بدأ مندفعاً في الأزمة السورية، من خلال استقباله ودعمه للجماعات الإرهابية، يسعى الآن للخروج منه بتنسيقٍ مع روسيا وأيران، ولا شيء يوقف هذا التنسيق إلّا تخلّي الإدارة الأميركية عن دعمها لـ»قوات سورية الديمقراطية»، أو الحصول على ضمانات أميركية، روسية وأوربية بمنع أيّ كيان سيُعطى للكورد مستقبلاً في سورية.
ضمن هذا الواقع، وضعت الخطة الأميركية – بتشكيل حرس حدود من «قوات سوريا الديمقراطية»- على ما يبدو القطار التركي بخصوص عفرين على سكّة التفعيل، وهو الذي صرّح عنه أردوغان أكثر من مرة بأنّ العملية باتت وشيكة جداً، وأرسلت أنقرة التعزيزات العسكرية إلى الحدود وقصفت القوات المسلّحة التركية مواقع في عفرين بالمدفعية. ولكنّ الأمور ستبقى ضمن ردّة الفعل هذه، خصوصاً بعدما جاء ردّ الفعل السوري العنيف بالتصدّي لأيّ عدوان تركي على عفرين باعتباره عدواناً موصوفاً على الأراضي السوريّة. وإضافة إلى ذلك، هناك عقدة أخرى تواجه أنقرة في عفرين، وهي الوجود العسكري الروسي في تلك المنطقة، ممّا يجعل التنسيق مع موسكو حليفة دمشق ضرورة قبل بدء أيّ تحرّك تركي. ولذلك، يعزو الكثير من المراقبين تأخّر عملية عفرين إلى غياب الموافقة الروسيّة من جهة، والاستعداد السوريّ للتصدّي للجيش التركي من جهةٍ أخرى.
لا شكّ تشبه تركيا في هذه اللحظة شجرة «الكافاك» في الأناضول، وهي أشجار رفيعة وطويلة، هشّة في مظهرها وتتوهّم بأنّها قوية، بحيث إنّها عندما تهبّ الرياح الأناضوليّة القوية يمكنها أن تنحني بزوايا مذهلة لتتكيّف مع قوة الرياح من دون أن تنكسر.
إنّ شجرة الكافاك لم يعد بمقدورها أن تنحني أكثر، وإنّ لحظة الحقيقة تقترب، وعلى السيد أردوغان الاختيار بين المواجهة مع الجيش السوريّ و»وحدات الحماية الشعبيّة»، أو البدء برقصة القرفصاء أمام خيباته المتعدّدة!.