فؤاد البطاينة
الوقوف على الحقائق من أهم الأسس للعمل الموصل للنتائج المرجوه سواء كان الهدف مشروعا او غير مشروع . التضليل للنفس لا يقود الا للفشل والاحباط . فنحن أمة تشير الوثاق والشهادات الشخصية الوازنه من غربيين مطلعين وكما يشير الواقع، الى انها تواجه خطر زوال دولها وطمس قضيتها وشعوبها . ولقد حمل البعض منا قرار الجمعية العامة الأخير رقم 2017 بشأن القدس، حمولة زائدة مضلله . حيث اعتبره الكثيرون منا بأنه قرار يساوي في مضمونه وشكله وتأثيره القرار الذي اتخذته الجمعية العامة بشأن كوريا عام 1950 رقم 377 تحت عنوان، الاتحاد من أجل السلام .
إن ما حصل عام 1950 كان استخداما للجمعية العامة من قبل مجلس الأمن من خارج نصوص الميثاق، استخداما مخططا ومرسوما من امريكا والدول الغربية الدائمة العضوية بمجلس الأمن بهدف الحرب على كوريا الشماليه واخراجها من القسم الجنوبي، وجاء هذا الاستخدام للجمعية تجنبا لفيتو سوفيتي وتجنبا للإحراج في هذا . وهذا أمر لا تستطيع عليه او على محاكاته الدول التي تبنت قرار القدس في الجمعية حتى لو لم يكن يخلو منطوقه من فعل شئ سوى مطالبة الدول بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة السابقه الخاصه بالقدس.
ورغم أن فقرتي منطوق القرار الكوري تمثلان ما يعتري الميثاق من نقص يؤدي لتجريد الجمعية العامة من مسئولياتها كممثله للمجتمع الدولي كله، إلا أنه بتثبيته واعتماده الكاذب لهاتين الففرتين وضع أسسا صحيحة ومنطقيه ومسوغه لتجاهل مجلس الامن وأخذ القرار عنه عند اللزوم . لكن الواقع أن ذلك القرار بفقرتيه كان حالة خاصة واستثنائية بالشكل والمضمون والسياق وبالمتبنين له، ولا يمكن مقاربته بقرار القدس الاخير مضمونا وشكلا ومتبنين . فهو لا يحمل أدنى جديد ولا يحل مشكلة ولا يمثل أكثر من دعم سياسي واعلامي للقضية وتسجيل مواقف في فترة عصيبة على القضية الفلسطينية، وإن محاكاة عنوانه بعنوان القرار الكوري “الاتحاد من أجل السلام” هو كمن يسمي الأسود أبيض أو الخروف أسدا.
إن قرار الجمعية رقم 377 بشأن كوريا الذي خرق نصوص الميثاق وفعَّل روحه، لم يكن أكثر من استخدام استثنائي من قبل مجلس الأمن للجمعية العامة وربما متفق عليه من الدول الكبرى ولم يتكرر لاحقا بمسائل اكبر خطورة من المسألة الكورية فشل فيها الاجماع داخل المجلس بفعل الفيتو . وسيبقى هذا القرار في دائرة الشك . ولا أدل على ذلك من عدم امكانية تكراره عندما تعذر حصول توافق في مجلس الامن على قرار قدمت مشروعه امريكا وبريطانيا ينطوي على شن حرب على العراق فقامت هذه الدول بسحب مشروع قرارها في 16 \ 3 \ 2003 وأخذ القانون بيدها ولم تذهب للجمعية العامة .
دعونا ننظر الى سياق ومضموني قراري كوريا والقدس للمقارنه وليقف القارئ على الفرق الكبير بينهما في الشبه والقيمة والهدف .
كان سياق اتخاذ القرار في الحاله الكورية مرتبطا باجتياح كوريا الشمالية للمنطقه التي تشكل كوريا الجنوبية وتقع تحت النفوذ الأمريكي، ورغبة امريكا مع بريطانيا في اعادة القوات الكورية الشمالية لمواقعها . فقامت الدولتان بعقد جلسة لمجلس الامن بتاريخ 25 \ 6 \ 1950 غاب عنها السوفييت “مما يضمن عدم استخدام الفيتو كي لا يحرجهم ” وصدر قرار المجلس باعتبار كوريا الشمالية معتدية وهذا كان ضروريا كتمهيد الاساس لاستخدام القوة . الا أن استصدار قرار من مجلس الامن باستخدامها ضد كوريا كان محرجا وتعذر بفعل الفيتو السوفييتي أو العزم على استخدامه . فلجأت أمريكا وحلفاؤها الى الجمعية العامة واستصدرت القرار 377 باستخدام القوة ضد كوريا الشمالية تحت عنوان “الاتحاد من أجل السلام “
بينما سياق اتخاذ القرار الخاص بالقدس كان على خلفية أن امريكا الدوله الدائمة العضوية بمجلس الأمن والوسيط بتسوية قضية العرب مع اسرائيل خرقت قرارات مجلس الامن الداعيه لعدم الاعتراف بضم القدس وعدم نقل سفاراتها لها . وعَقد اثر ذلك مجلس الأمن جلسة على خلفية مشروع قرار خجول حتى من ذكر او ادانة امريكا ولم يتجاوز مطالبة الدول باحترام قراراته السابقة بشأن القدس، وفشل مع ذلك المشروع، فذهبت الدول العربية للجمعية العامه لاستصدار قرار منها بنفس عنوان القرار الكوري ولكن دون مقومات القرار الكوري ولا مضمونه،
أما منطوق قرار الجمعية العامة بشأن كوريا فيختلف كليا عن مضمون قرارها حول القدس. ويدعو صراحة لاستخدام القوة العسكريه ضد كوريا الشماليه . وكانت هذه القوه حاضره بامريكا وحلفائها وبصمت روسي .وهو بفقرتين حق أريد بهما باطل،الأولى \\ إن فشل مجلس الامن بالقيام بواجباته بالنيابة عن الدول الأعضاء لا يعفي هذه الدول من التزاماتها في حفظ السلم والأمن الدوليين طبقا للميثاق \\ والثانيه \\ إذا فشل مجلس الأمن بسبب عدم تحقق الإجماع بين أعضائه الدائمين في ممارسة مسئولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين فإن على الجمعية العامة أن تعالج الأمر بنفسها مباشرة وتطلب من الدول الأعضاء استخدام القوات المسلحة لإعادة الوضع الى ما كان عليه قبل قبل العدوان \\ .
بينما جاء منطوق قرار القدس الاخير الذي حمل اعتباطا نفس العنوان لا يحمل جديدا اطلاقا، بل مجرد تأكيد على قرارات مجلس الامن والجمعيه السابقة بشأن القدس .
ليكن معلوما أن واضعي الميثاق جردوا الجمعيه العامه التي تمثل المجتمع الدولي من صلاحياتها السياسيه بموجب وكاله صريحه في الماده 24 من الميثاق، وغير قابله للالغاء بموجب المادتين اللتين تتضمنان فيتو خفي على صلاحيات الجمعية العامه في تعديل الميثاق من خلال الفقرتين الاولى والثانيه من الماده 109 . فالجمعية العامة غير قادره بموجب نصوص الميثاق على اتخاذ قرار سياسي او يخص السلم والامن الدوليين في مسألة ما بمعزل عن دول مجلس الامن الدائمة العضوية بأكملها، وهي مسائل انتقائية وخاصة لدى امريكا بالذات، بالاضافة لمسائل اخرى كثيرة ينص عليها الميثاق .
.
واليوم أصبح من الصعوبة بمكان أن تتسامح أمريكا كالسابق بمطلب لاسرائيل في مجلس الأمن على سبيل مجاملة العرب وجرهم للمقصله فقد وصلوها . فقبول الدول في عضوية الأمم المتحدة والذي تتطلع له السلطه مثلا هو شأن لمجلس الأمن ابتداء ويقتصر دور الجمعية العامة بمباركة القرار بالتصويت عليه إذا اتخذه مجلس الأمن فقط . وليس لنا إلا القرارات التي نُحملها نحن العرب صفة سياسية في المؤسسات والمنظات الفنية التابعة للجمعية العامة كاليونيسكو وحقوق الانسان مثلا .
بالمحصله، قرار الجمعية العامة الاخير بالقدس لا قيمة له كرد على السلوك الامريكي ,ولن يكون لنا ولقضيتنا بوضعنا الحالي حل في الأمم المتحدة، وامريكا واسرائيل اليوم تستهدفان سلطة رام الله والقيادة الاردنيه في خطوات متسارعة بالتعاون مع دول الخليج . ولا مناص من ترك اللون الرمادي، واستبعاد كل مؤهَل للتعاون مع العدو في الصف الاول على الساحتين الفلسطينية والاردنية، ومن تنسيق كامل وتحالف بين القيادتين . ليكون الشعبين الفلسطيني والأردني الداعم والضامن للقيادتين في الصمود والرفض . فالرفض المستند للدعم الشعبي اصبح هو الحل في هذه المرحله والذي سيُفشل او يعيق المشروع الصهيوني .
خيارات السلطة الفلسطينية التقليدية في المناورة اصبحت لا تجدي بل خطيره . انها مطالبة اليوم بأخذ زمام المبادرة من اسرائيل بموقف ينزع الشرعية التي منحتها لها وللإحتلال، وبرفع سقفها لسقف الشعب، والعودة لمربع منظمة التحرير، واتباع الخطوات التي تعيد ملف القضية الفلسطينية كملف ساخن وضاغط على اوروبا والعالم بنهج الرفض والمقاومه .
انها مطالبة بغسل عار وخطيئة اوسلو وإلغاء كل مستحقاتها التي كانت من طرف واحد، وبسحب اعترافها بمبادرة السلام العربية وتبني وتطوير الانتفاضة والمشاركة بها لتصبح انتفاضتها وانتفاضة الشعب الفلسطيني .
والقيادة الأردنية مطالبة باخذ زمام المبادرة من اسرائيل في التراجع الدرامي، وأن تستبق خطواتها العملية في تقنين تهويد فلسطين وتصفية مكونات قضيتها خارج فلسطين، بزبل اتفاقية وادي عربه وإعادة ترتيب البيت الاردني سياسيا واقتصاديا وبناء التحالف الاستراتيجي مع الشعبين الاردني والفلسطيني والقيادة الفلسطينية .