تخاطر بضرب سمعتها من خلال تدخلها في حرب إسرائيل مع “حماس”
بدلاً من تعزيز النظام العام فإن إجراءات الشرطة قد تثير التوترات بين الفئات المختلفة في بريطانيا (غيتي)
إن قرار شرطة العاصمة لندن Metropolitan Police استقبال الوافدين إلى مطارات العاصمة البريطانية بطلب الإدلاء بمعلومات حول جرائم حرب محتملة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية كان لا بد من يشعل عاصفة من الجدل.
بالطبع، إن مصير بعض الأفراد البريطانيين المقيمين الذين قضوا في النزاع والحاجة كي يقوم الطبيب الشرعي بتسجيل أسباب وفاتهم، هو أمر تقوم الشرطة عادة بالمساعدة في إيضاحه، لكن القيام بجهد في جمع المعلومات والأدلة عن جرائم ارتكبت خارج البلاد بواسطة وضد أشخاص غرباء في إطار سلطة قضائية لا يتوفر فيها الأمل بتحقيق قضائي محايد، يبدو استخداماً لافتاً [في غرابته] لموارد الشرطة المحدودة.
بكل الأحوال، ليس لنا هنا إلا الإعراب عن تعاطفنا مع شفقتنا على جهاز شرطة العاصمة الضعيف لإقدامه على السقوط في الوعاء الحارق للنقاشات العامة المحتدمة. إن بريطانيا الحديثة ربما تخلت عن إمبراطوريتها عملياً، لكن حكوماتنا منذ زمن فوز رئيس الوزراء توني بلير الكاسح في انتخابات عام 1997، قد فرضت على مؤسسات مثل جهاز شرطة العاصمة شروط التزام شرعة حقوق الإنسان العالمية، وهو مما يعكس رغبة تكونت لدى المملكة المتحدة، في عهد ما بعد حقبة الاستعمار، كي تقوم في التدخل بقضايا تتخطى حجمها ووزنها أو في مثل هذه الحالة، أنها تقوم بحشر أنفها في أماكن قد تعرضها للأذى.
عملياً، لا تملك الشرطة الإمكانات الكافية (أو، كما كان المشككون ليقولون، ليست لدى الشرطة رغبة) للتحقيق في كل جريمة قد ترتكب هنا في المملكة المتحدة. من ثم أليس حرياً بشرطة العاصمة أن تتوخى الحذر، حتى لا تظهر وكأنها انتقائية في اختيارها الجرائم الدولية التي ترغب في التحقيق بها؟ إن العمل على محاربة الإرهاب من على مسافة آمنة لا يعتبر الطريقة الأمثل لطمأنة أفراد الشعب أو حمايتهم. فارتكاب الفظائع لا يعد حكراً على الشرق الأوسط وحده. ماذا عن التحقيق مع الوافدين على سبيل المثال من دولة نيجيريا مثلاً، إذا كانت تتوفر لديهم أية معلومات عن الأشخاص الضالعين في المجازر التي ارتكبت أخيراً هناك وأدت إلى مقتل مئات من المسيحيين؟ بالطبع، وفي اللحظة التي سأذكر فيها حوادث القتل تلك، سيطالب الناس بملصقات حول عدد من الصراعات الأكثر وحشية، مع أدلة ظاهرة على جرائم القتل والاغتصاب وغيرها من الفظائع الوفيرة.
وهذا هو الخطأ الذي قامت شرطة العاصمة في ارتكابه.
إن الرسالة الأساسية التي أوضحها السير روبرت بيل، لشرطة العاصمة قبل أكثر من 200 سنة هي أن على أفراد قوة الشرطة القيام بواجباتهم “من دون خوف أو تقديم الخدمات لأي أحد”. في السنوات الأخيرة الماضية، وجدت شرطة العاصمة البريطانية نفسها غارقة في حالة من عدم الرضا الشعبي نتيجة التسيس والانحياز المزعوم لأفرادها، إضافة إلى نوع من الشعور بأن عديداً من ضباط الشرطة قد أساؤوا استخدام السلطة، وحتى ارتكبوا الجرائم من خلالها.
وإذا تركنا جانباً الفضائح الأخيرة المتعلقة بالقتل، والاغتصاب وارتكابات جرمية أخرى خطرة، والتي أساءت إلى علاقة الشرطة بأفراد الشعب، فإن مغامرة شرطة العاصمة لندن بالتحقيق في جرائم دولية بعيدة ليس أمراً من غير ذي أهمية، بل هي عارض من أعراض الحالة التي تنفر الرأي العام من الشرطة.
اقرأ المزيد
- مطالبات بريطانية بالتحقيق مع الأمير أندرو في قضية إبستين
- وزير الشرطة البريطاني يدعو الناس إلى القبض على سارقي المتاجر بأنفسهم
- كشف فضيحة فشل أجهزة الشرطة البريطانية في حماية النساء المعنفات
- متهمون بارتكاب جرائم ضد المرأة ما زالوا في صفوف الشرطة البريطانية
بالطبع إن المدافعين عن شرطة العاصمة – ولا يزال هناك القليل منهم – سيتهمون بوريس جونسون وآخرين من حزب المحافظين ومن المعارضين للسياسي نايجل فاراج بـ”اللعب بالسياسة”، لكن الدخول بعيون مغلقة إلى ساحة كهذه مسيسة مثل النزاع في غزة ليس حياداً لا تشوبه شائبة، بل سذاجة متهورة. إن تعرض شرطة العاصمة لحملة انتقادات قوية من كافة الجهات، قد يمكن اعتباره دليلاً على أن شرطة العاصمة تقف على مسافة من النزاع، لكن كأية قوة إنفاذ قانون ملتزمة الحفاظ على الأمن في المجتمع، كان عليها أن تتوقع حصول ذلك.
مثلها مثل كثير من المؤسسات البريطانية، يبدو أن شرطة العاصمة تود تلميع صورتها الدولية من دون تحقيق أي إنجاز حقيقي على المستوى المحلي يستحق التباهي به. إحدى المشكلات هي أن شرطة العاصمة، هي في الوقت عينه جهاز شرطة العاصمة المحلي، والقوة التي تلجأ إليها السلطات الحكومية للتعامل مع الجرائم الكبيرة الخطرة. ومن المفهوم أن سكان لندن غير الراضين على طريقة تعامل الشرطة مع تظاهرات أيام نهاية الأسبوع التي تتسبب في عراقيل كثيرة، وعلى ارتفاع معدلات الجريمة، يستغربون الآن حملة لافتات الشرطة تلك. ما يثير قلق أهالي العاصمة الكبير، بحسب ما يقولون، لا علاقة له بحركة “حماس” أو إسرائيل.
على رغم من ذلك، إن التوتر الحاد بين سكان العاصمة لندن ومدن أخرى ممن ينظرون إلى النزاع في غزة بأشكال متعارضة تماماً، يبدو أنه يطرح معضلات أمام عمل الشرطة على إنفاذ القانون هنا.
وبما أن الشيء الوحيد الذي يبدو أن كلاً من حركة “حماس” وإسرائيل تتفقان عليه هو عدم اعترافهما باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، فإن تدخل شرطة العاصمة يبدو لا لزوم له. إن سلطة شرطة العاصمة في ذلك المجال هي معدومة بنفس درجة انعدام سلطة الحكومة الفلسطينية التي تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية بسبب عجزها هي.
ماذا لو قامت قوات شرطة العاصمة باعتقال متطوع عائد من جيش الدفاع الإسرائيلي، أو مقاتل من “حماس” في مطار ستانستد شمال شرقي لندن، مثلاً للاشتباه في ارتكابهم جنحة في أراضٍ كانت بريطانيا قد تخلت عنها عام 1948، والتي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية؟ فهل ستواجه الشرطة في حينه، حركة احتجاجات واحتجاجات مضادة بسبب ذلك، إضافة إلى ضغوط سياسية وقضايا أخرى للإفراج عن المعتقلين، أو إبقائهم قيد الاعتقال؟
بعيداً من مهمتهم الأساسية التي تعنى بالعمل على تثبيت الأمن العام، إن من شأن هذا أن يشعل التوتر بين المجتمعات المنقسمة على نفسها هنا، من دون أن تنجح الشرطة في الوقت نفسه في التأثير في مجرى الأوضاع هناك.
© The Independent