المتاجرون على إيقاع العواطف
لم تكن قصة المتاجرة بالدين قصة حديثة، القصة ذات عمر طويل ومنعطفات لم نتنبه لها بوعي كافٍ، إذ ينتابنا النسيان سريعاً، ويحدث أن نتفاعل مع وجع ما لمدة معينة ثم ننتقل لوجع آخر من دون تنبه لما إن كان ثمة رابط بين الوجعين، أو نعبر على عجل في التفاصيل لعل الوجع الجديد نما على كتف وجع قديم.
كثير من الأحاديث المجتمعية وأسطر الجدل العقيم المتناثرة في المساحات المتاحة أيا كان موقعها، كانت تتحدث عن هذه القصة المخجلة، تارة يكون حديثها في خندق البوح الخفي، وتارة بشيء من التعمق بحسب المتوافر من الدلائل والقرائن والإشارات، وللحق فقد عبرت على أذهاننا أسماء تصدرت المشهد الدعوي العام وتأثرنا بها حد الدهشة، وبذريعة الكاريزما المغرية والجماهيرية الطاغية واستمرارية انعدام القناعة أو ضعفها في أن بيننا من يتاجر بالدين على حساب البسطاء والمعتنقين لفكرة أن الدين بمنأى عن العبث والتلاعب والتجارة والأرصدة والحسابات والحقائب الممتلئة بالمال.
ليس عيباً أن نتحدث عن عاطفتنا الآسرة واللافتة، عاطفتنا تقود وتؤكد مشاعر النقاء، ملامح الصدق، حب الحياة والتعطش الدائم للسلام الداخلي والتعايش مع الجميع بالحب والود. ليس عيباً أيضاً أن تكون عاطفتنا في هذا الإطار اللافت، ولكن المؤمن الذكي لا يلدغ من جحر مرتين، ولن تعيننا هذه العاطفة بشيء أن كنا جزءاً ولو هامشياً في إنجاح المتاجرة والترويج لـ «أهلها» والمضي معهم بذريعة اللحظات الجميلة والذكريات العطرة ومشاريع بيع الكلام التي أنفقت بسخاء، ولم تكن من أجلنا قدر ما كانت جزءاً ضرورياً ولازماً لدوام الأضواء وتكدس القناعات وتضخم الشعبية والاستفادة بالكامل من المشروع المغلف بالدين.
العديد من المحاولات الخطرة مضت في أحضان مشروع التجارة بالدين، تسطيح العامة كان من هذه المحاولات الموجعة، إثارة الرأي العام بشكل متواصل، تمييع الولاء والتجريد المتلون من الوطنية، تنمية الكراهية، صناعة التحريض والسخط الدائم، تعطيل مشاريع التنوير، تشكيل المجتمع في عباءة الأحزاب والحركات، التصنيف المستمر للمخالفين، ضرب الإبر في مفهوم الأمن الفكري، الاعتناء بالمصالح الشخصية من بوابة الخوف على استقرار المجتمع وكثير من الخطوات التي سارت مسافات متباينة، إلا أن الزمن كان كفيلاً بتعريتها في الوقت المناسب، ومن ثم قراءتها كعناوين صريحة حادة لا تستحق التهميش ولا تغليب حسن النوايا، لا سيما أن متلازمتي الصمت والصبر لم تعودا تجديان في ظل التورم الكبير للخيانة الوطنية والتزام الحياد حين لا يوافق العلاج الانتماء السري، وعندما تضرب المفاصل والرؤوس التي نوت الفوضى وإحياء التنظيمات ودس السموم.
كل المتاجرين بالدين حاولوا وحلموا أن تكون لهم أوطان بديلة، لأن أوطانهم ستكشف ألعابهم وخياناتهم وإن طال الزمن، المثل الشهير يقول إن الخير في معاطف الشر، ولعل خيانة الجار الجغرافي حكت لنا عن خيانات من الداخل لم يكن لنا أن نعرفها جيداً أو على الأقل نضبطها من دون رتوش ولا شكوك. نقطة الختام أن زمن الخداع الديني سيتوقف، والعاطفة المجتمعية الزائدة عن الحد سيصاحبها رصيد طيب من العقل وهذا مطمئن ومبشر.