ميشيل غولدبرغخدمة «نيويورك تايمز»
في الخريف الماضي، كنت ضمن الحضور في حفل عشاء ضم مسؤولاً سابقاً في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومانحاً ديمقراطياً، وتحول محور الحديث بطبيعة الحال، إلى عُمر الرئيس وفرص إعادة انتخابه مرة أخرى.
وحينها قال مسؤول الإدارة السابق إنه داخل البيت الأبيض، الذي يرى فيه الموظفون عملية صُنع السياسات بشكل مباشر، يتم النظر إلى بايدن، بأغلبية ساحقة، على أنه رئيس فعَّال يجب أن يترشح مرة أخرى، أما المتبرع الديمقراطي فهو في الغالب كان يرى الرئيس الأميركي في حفلات جمع التبرعات التي كان يستمع فيها لخطاباته المتعثرة ما جعله مرعوباً بشأن الحملة الرئاسية المقبلة.
وأعتقد أن الفجوة في تصوراتهما تشير إلى حقيقة مفادها أن عُمر بايدن قد أضعف قدرته على المشاركة في الحملات الانتخابية أكثر بكثير من قدرته على الحكم، وهو ما خلق معضلة مستحيلة للحزب الديمقراطي.
فقد ظللت أجادل، منذ عام 2022، بأن بايدن لا ينبغي أن يترشح مرة أخرى لأنه كبير في السن، ولكن لم تكن هناك أي علامات على أن عُمره المتقدم يؤثر في أدائه في منصب الرئيس، كما أنني ليست لدي أي معلومات تشير إلى وجود تسريبات من البيت الأبيض تقول إن بايدن يكون مرتبكاً أو منهكاً أو كثير النسيان عند تحديد الأولويات واتخاذ القرارات.
وليس مؤيدو الحزب الديمقراطي وحدهم الذين يجدون أن بايدن أكثر إبهاراً في الحكم من صورته الضعيفة المتعثرة في وسائل الإعلام، وكما قالت صحيفة «بوليتيكو» (الأميركية) عن رئيس مجلس النواب المُقال كيفن مكارثي: «وفي ما يتعلق بمسألة حساسة بشكل خاص، فإن مكارثي كان يسخر من عُمر بايدن وقدرته الذهنية في العلن، في حين يخبر الحلفاء سراً أنه يجد الرئيس حاد الذهن وموضوعياً في محادثاتهما معاً».
ومن المؤكد أن هناك أشياء يفعلها بايدن لا أتفق معه فيها، إذ أتمنى أن يتخذ موقفاً أكثر تشدداً مع إسرائيل بشأن الضحايا المدنيين في قطاع غزة، ولكن في حين أن إحجامه عن انتقاد تل أبيب بشكل علني قد يكون نابعاً من وجهة نظر قديمة للبلاد (فهو يحب التحدث عن رئيسة الوزراء الصهيونية غولدا مائير التي تركت منصبها قبل 50 عاماً) فإن موقفه هذا هو موقف التيار الرئيسي في الحزب الديمقراطي ولا يمكن أن يعزى إلى الشيخوخة.
ولأن بايدن حقق الكثير من الأولويات الديمقراطية، فإنه ليس هناك أي ضغط حقيقي داخل الحزب لحمله على التنحي، ولكن من الواضح لمعظم الناس الذين يراقبون الرئيس الأميركي من بعيد أنه يبدو هشاً وفي تراجع وأن ميله المعروف لارتكاب الزلات أصبح أكثر سوءاً.
ويُظهر كل استطلاع للرأي تلو الآخر أن الناخبين الأميركيين قلقون للغاية بشأن مسألة عُمر الرئيس، ولهذا السبب أدت انتقادات المستشار الخاص روبرت هور غير المُبرَرة لبايدن بوصفه شخصاً قد يبدو أمام هيئة المحلفين وكأنه «رجل مسن متعاطف وحسن النية وذو ذاكرة ضعيفة» في إثارة ذعر شديد بين الديمقراطيين، إذ سلطت كلمات هور الضوء على شكوك عميقة ومرعبة حول مدى قدرة الرئيس الأميركي على القيام بالجزء الأهم من وظيفته وهو التغلب على الرئيس السابق دونالد ترمب.
وهذا صحيح على الرغم من أن تقرير هور، المعيّن سابقاً من قبل ترمب والذي عيّنه وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند للتحقيق في تعامل بايدن مع الوثائق السرية، يبدو وكأنه عمل حزبي ناجح (لأن لدى المدعين العامين الديمقراطيين عادة سيئة تتمثل في تعيين مستشارين خاصين جمهوريين في محاولة لإظهار أنفسهم محايدين، وهو نوع من التعالي الأخلاقي الذي نادراً ما تقع الإدارات الجمهورية ضحية له).
وبما أن هور قرر عدم اتهام بايدن بأي جرائم، فإن تعليقاته حول عُمر الرئيس، خاصة ادعاءه أنه لا يستطيع تذكر العام الذي توفي فيه ابنه بو، بدت وكأنها تهدف إلى الإضرار به سياسياً، وإذا كان الأمر كذلك، فإنه قد نجح في تحقيق هدفه.
ويقارن بعض الديمقراطيين التركيز الإعلامي الحالي على عُمر بايدن بالتغطية الضخمة لقضية رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون قبل ثماني سنوات، إذ إن هناك أوجه تشابه بينهما بالفعل.
إن فضائح ترمب تبدو متنوعة للغاية، ولذا فإنه لا يتم الاهتمام بكل واحدة منها بشكل منفصل، في حين يمكن التدقيق في نقاط ضعف وأخطاء خصومه بشكل مطول على وجه التحديد لأن عددها أقل، وقد صب هذا التباين في صالح الرئيس السابق في انتخابات عام 2016، وهو يساعده مرة أخرى في انتخابات هذا العام.
ولكن، هناك أيضاً فرق حاسم بين قضية رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بكلينتون ومسألة تقدم عُمر بايدن، إذ لم تكن مشكلة وزيرة الخارجية السابقة ناتجة من عدم اهتمامها ببروتوكولات أمن المعلومات، ولكن، بدلاً من ذلك، أصبحت رسائل البريد الإلكتروني رمزاً لشعور قوي، ساعد اهتمام الصحافة بالأمر بشكل غير متناسب على تضخيمه، بأنها كانت مراوغة ومخادعة، أما مسألة عُمر بايدن فهي قضية أكثر وضوحاً، إذ يعتقد الناس أنه كبير في السن بسبب مظهره وما يقوله، ولذا فإن التظاهر بأنها ليست مشكلة لن يقلل من قلق الناخبين بشأنها، بل سيجعلهم يشعرون بأنه يتم الكذب عليهم.
ولذا فإنه ينبغي على حملة بايدن، بدلاً من ذلك، أن تكون صريحة بشأن التحديات التي يفرضها تقدمه في العمر، والذي بطبيعة الحال يشاركه فيه ترمب غير المتماسك على نحو متزايد، في حين تبذل قصارى جهدها لإثبات أن حكم بايدن على القضايا المعقدة وفهمه لها لا يزال قوياً.
وهذا يعني إجراء المزيد من المقابلات وحضوره المزيد من الفعاليات، خاصة تلك التي تركز على القضايا السياسية، والسماح للشعب الأميركي برؤية نسخة بايدن التي يراها أولئك الذين يعملون معه، وصحيح أنه من المؤكد أنه سيرتكب الكثير من الزلات الأخرى، ولكن مع تراكمها، فإنها ستبدو وكأنها أخبار قديمة، خاصة إذا لم يقم بالدفاع عنها.
وإذا لم يكن الرئيس الأميركي على استعداد لإجراء تغيير كبير في استراتيجيته فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يجد بعض الأسباب الطبية للتنحي في الوقت المناسب حتى يتم اختيار بديل له في الحزب الديمقراطي، فقد كان الدور الأعظم لبايدن لهذا البلد هو إنقاذنا من ولاية أخرى لترمب، وإذا كانت عدم رغبته في مواجهة مشكلاته ما سيمهد الطريق الآن لعودة الرئيس السابق مرة أخرى.
* خدمة «نيويورك تايمز»