بقلم : د. هدى رزق
عندما دخلت القوات التركية إلى إدلب في تشرين الأول/ أكتوبر، كان الهدف إقامة نقاط مراقبة لرصد وقف إطلاق النار بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة، وكان متوقعاً أن تقوم تركيا، من خلال وجودها العسكري، بالضغط على «هيئة تحرير الشام» المرتبطة بتنظيم القاعدة لنزع سلاحها وحلها، أو طردها إلى الجهة الغربية من إدلب حسب شروط أستانة وبموجب الشراكة بين تركيا وروسيا وإيران.
بدلاً من ذلك دخلت تركيا إلى إدلب بمرافقة «هيئة تحرير الشام»، ما أثار العديد من التساؤلات بسبب مرافقة جنودها لمن يسمّى «الجهاديون»، استخدمت تركيا وجودها بشكل رئيسي لتكون قريبة من عفرين، وهي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد السوريون، وبدأت تهدّد بغزوها.
تخشى تركيا ان يكون تقدّم الجيش السوري بعد إدلب، في جرابلس وأعزاز وانه لن يكون لها مع «الجيش الحر» مكان في مستقبل سورية، ربما ستنشغل إيران في الفترة المقبلة في شؤونها ما يمكنه طرح أسئلة حول بقاء تركيا في سورية ولا يمكنها ذلك إلا بموافقة الروس. لا سيما بعد فشلها في مواجهة «هيئة تحرير الشام» إذ ستصبح القوات التركية كما الأميركية بمثابة المحتلّ للأراضي السورية.
دعوات روسيا إلى الأكراد في سورية الحزب الشعبي الديمقراطي، وحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري المزمع عقده في منتجع سوتشي في البحر الأسود اختبر صبر أنقرة. روسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لا يزالان يتجاهلان مطالب تركيا بقطع العلاقات مع «وحدات حماية الشعب».
يبدو أردوغان مستاء من موسكو، ولكن تصريحاته باجتياح عفرين تستهدف الداخل التركي أولاً. وهي رسالة واضحة إلى زعيم حزب العمل القومي اليميني المتطرف الذي تعهّد منذ أيام بدعم ترشيح أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. سيستمرّ حزب العدالة والتنمية بسياساته المتشدّدة تجاه الأكراد، سواء في الداخل أو عبر حدوده مع ذلك، يمكن توقع ايّ حركة غير منطقية من أردوغان، ذلك مع انفصال بعض مقاتلي حزب التحرير في إدلب عن «الجيش الحر» من أجل المشاركة في هجوم مخطط له على منبج وعفرين، لا سيما أنّ الولايات المتحدة الأميركية قد تعهّدت لأنقرة بأنها ستسحب القوات الكردية في منبج، لذلك لا تزال تركيا تذكرها بإطلاق الصواريخ ضدّ هذه المنطقة.
لكن يعتقد من جهة أخرى أنه منذ مشاركة روسيا الكاملة في الصراع، كذلك وقوف الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب، ستبقى أيدي تركيا مربوطة وبمجرد انتهاء القوات الحكومية السورية من حملة انتزاع إدلب من أيدي «هيئة تحرير الشام» سوف تواجه أنقرة ضغوطاً للانسحاب من كلّ الأراضي السورية التي تسيطر عليها في الشمال مع أنها تقوم ببناء المدارس والمستشفيات وتدريب الشرطة المحلية وتدريس المناهج التركية.
يمكن التكهّن بأنّ روسيا حاولت جسّ نبض تركيا ووضع إمكاناتها تحت اختبار جعل المعارضة المتطرفة تقبل بدعم اتفاق يقضي ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة لكنها فشلت.
صحيح انّ اهتمام تركيا وأولوياتها تحوّلت نحو التحقق من تزايد التأثير الكردي. وهذا ما أثر على الصراع، وحرّك التوازن لصالح النظام ومهّد الطريق لسقوط حلب. لكن توقعاتها بأنّ روسيا ستمنحها في المقابل ما تريد ضدّ وحدات حماية الشعب. هي في غير مكانها.
ترى تركيا، انّ موسكو في محاولتها الطلب من تركيا فصل المعتدلين عن المتطرفين وكأنها حيلة لشراء وقت من أجل قيام الجيش السوري وحلفائها بضرب «هيئة تحرير الشام» وإعادة توطيد سلطته وهذا لن يمرّ بالنسبة لتركيا انْ لم ترتفع بندقية الجيش السوري ضدّ الأكراد. لا شك أنّ شروخاً بين تركيا وروسيا ظهرت في الآونة الأخيرة وهذا ما عبّر عنه وزير خارجية تركيا الذي رأى انّ خطوات الجيش السوري تضرب عملية إنهاء الصراع. يبدو الهدف الرئيسي للهجوم هو قاعدة أبو الضهور الجوية التي يسيطر عليها الإرهابيون على الحافة الجنوبية الشرقية من إدلب وتأمين الطريق الذي يربط دمشق بحلب.
ينتهي الوضع الراهن الآن مع تقدّم الجيش السوري والقوى المتحالفة معه في شرق إدلب، الأمر الذي أجبر آلاف المدنيين على الفرار باتجاه تركيا. ومع وجود 3 ملايين لاجئ سوري بالفعل، فإنّ تركيا حريصة على تجنّب المزيد من التدفق الجهادي أيضاً، وتقوم بإنشاء مستشفيات ميدانية وإقامة خيام على طول حدودها لإبقائهم على الجانب الآخر.
وعلى الرغم من أنّ معركة أنقرة ضدّ الشبكات السلفية الجهادية العنيفة في عام 2017 كانت ناشطة جاء الجهد متأخراً، بالنظر إلى عمق وحجم انتشار السلفية الجهادية في المجتمع التركي. تعطي أنقرة الآن الأولوية لقتال حزب العمال الكردستاني باعتباره عدوها الأول، وتعتبر أنّ شبكة غولن هي العدو الثاني، وعلى المستوى المجتمعي لا يزال الجمهور التركي غير واع لخطر هذه المشكلة، إذ تتعاطف قطاعات المجتمع المحافظة مع الشبكات السلفية الجهادية وترى الأولوية في قتال حزب العمال الكردستاني ولا تعي بوضوح خطر الشبكات السلفية الجهادية والتطرف السلفي العنيف.
يتطرف الشباب التركي بالرغم من خسارة السلفية الجهادية العنيفة في سورية حيث أثرت الأنشطة التعليمية للمسلحين على العديد من الأطفال عبر شبكات الإنترنت في وسائل التواصل الاجتماعي التركية التي أصبحت منصة للتجنيد…