الحزن شعور إنساني طبيعي يمر به الجميع في مراحل مختلفة من الحياة، سواء كان نتيجة فقدان شخص عزيز، أو ضغوط الحياة اليومية، أو حتى مشاعر الإحباط واليأس. إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الحزن ليس مجرد حالة عاطفية مؤقتة، بل يمكن أن يكون له تأثيرات بيولوجية ملموسة على أجسامنا، ما يسرّع من عملية الشيخوخة. في هذا التقرير، نستعرض الأدلة العلمية التي تربط بين الحزن والتقدم في العمر، وكيف يمكن للعواطف السلبية أن تؤثر على صحتنا الجسدية.
يُعرّف الحزن الناتج من فقدان شخص عزيز بـ”متلازمة القلب المكسور” أو اعتلال عضلة القلب الناتج من الإجهاد. هذه الحالة تشبه أعراض النوبة القلبية وتسبب ضعفاً مؤقتاً في عضلة القلب، كما يسبب زيادة في هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، والتي يمكن أن تؤدي إلى التهاب مزمن في الجسم، ما يساهم في تسريع الشيخوخة وتفاقم الأمراض المزمنة. وتشير دراسة حديثة نشرت في موقع Independant إلى أن فقدان شخص عزيز يشكل مخاطر صحية حقيقية، ويمكن للحزن أن يضعف الجهاز المناعي، ما يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض والعدوى. وتؤدي مستويات عالية من التوتر والقلق المصاحبة للحزن إلى إفراز كميات كبيرة من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، والتي تؤثر سلباً على جهاز المناعة. توضح الدراسة أن وفاة أحد أفراد الأسرة المقربين تؤثر سلباً على العمر البيولوجي، ما يعني أن الخسائر العاطفية يمكن أن تسرع من الشيخوخة البيولوجية. وإن النتائج التي توصلت إليها الدراسة مثيرة: ففقدان شخص مهم في أي عمر يعزز من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والخرف والموت المبكر، وتزداد المخاطر أكثر مع تكرار الخسائر على وجه الخصوص، تعتبر خسارة شخصين أو أكثر في مرحلة البلوغ ضارة خاصة. يمكن أيضاً أن يؤدي التوتر المستمر الناتج من الحزن إلى تلف التيلوميرات، وهي نهايات الكروموسومات التي تحمي الحمض النووي، وهذا التلف يساهم في تسريع عملية الشيخوخة وزيادة خطر الإصابة بالأمراض. ورغم أن التأثيرات الصحية لفقدان شخص عزيز يمكن أن تكون شديدة في أي عمر، تشير الدراسة إلى أن الأثر قد يكون أكثر حدة خلال الطفولة أو سن الرشد المبكر. ويطرح ذلك سؤالاً حاسماً: ما هو البديل؟ كما قالت الملكة إليزابيث الثانية بتعبير مؤثر بعد هجمات 11 سبتمبر، “الحزن هو الثمن الذي ندفعه مقابل الحب”. وتؤكد هذه الفكرة أيضاً كلمات نيك كايف بعد وفاة ابنه آرثر: “إذا أحببنا، فإننا نحزن. الحزن والحب مترابطان إلى الأبد. الحزن هو تذكير مروع بعمق حبنا، ومثل الحب، فإن الحزن غير قابل للتفاوض”. لتجنب الحزن، يتعين علينا تجنب الحب تماماً. ومع ذلك، تبرز هنا معضلة حقيقية، وتظهر الأبحاث أن الوحدة والعزلة الاجتماعية ترتبطان بنتائج صحية سلبية، بما في ذلك الموت المبكر. ونشرت دراسة في عام 2023 كشفت أن الأشخاص في منتصف العمر (من 40 إلى 69 عاماً) الذين عاشوا وحدهم بدون تلقي زيارات كان لديهم خطر أكبر بنسبة 39% للوفاة المبكرة مقارنةً بمن كانوا يلتقون العائلة والأصدقاء يومياً. الحزن على فقدان شخص عزيز هو تجربة صعبة تتجاوز المشاعر النفسية لتؤثر على الصحة الجسدية تأثيراً ملحوظاً. من خلال فهم التأثيرات البيولوجية والنفسية للحزن، يمكننا تبني استراتيجيات فعالة للتعامل معه وتخفيف تأثيراته السلبية. الدعم الاجتماعي، الاستشارة النفسية، وممارسة الأنشطة المهدئة هي خطوات أساسية تساعد في تجاوز هذه المرحلة الصعبة والحفاظ على الصحة العامة.